في محاولة لإعادة استقرار المشهد السياسي في فرنسا وكسر الجمود الذي خيم على البلاد في الأشهر الأخيرة، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تشكيل حكومة جديدة تُوصف بـ”حكومة استمرارية”، وجاءت هذه الخطوة في سياق محاولات عديدة لإيجاد مخرج من الأزمة السياسية التي تعصف بفرنسا، خاصة بعد تفاقم الخلافات الداخلية وتصاعد الاحتقان الشعبي.
وتأتي هذه الخطوة في ظل ظروف سياسية صعبة، حيث تواجه حكومة ماكرون ضغوطًا هائلة من المعارضة على خلفية سلسلة من القضايا، أبرزها إصلاح نظام التقاعد الذي أثار موجات من الاحتجاجات الشعبية، وتباطؤ النمو الاقتصادي في أعقاب أزمة الطاقة العالمية، بالإضافة إلى ذلك، يواجه ماكرون صعوبات في تمرير العديد من مشاريع القوانين بسبب غياب الأغلبية المطلقة في البرلمان، ما جعل حكومته رهينة التحالفات الهشة والتوافقات المعقدة.
وحرص الرئيس ماكرون على وصف الحكومة الجديدة بأنها “حكومة استمرارية”، ما يعكس توجهه للحفاظ على مسار سياسته الحالية مع إدخال تعديلات محدودة تراعي التوازن بين الإصلاح السياسي والتهدئة الاجتماعية، فإن التشكيلة الوزارية الجديدة لم تحمل تغييرات جذرية، إذ احتفظت بأسماء بارزة من الحكومة السابقة لضمان الاستمرارية في تنفيذ البرامج الاقتصادية والاجتماعية التي تبنتها إدارته.
إلا أن التشكيلة الجديدة ضمت أيضًا شخصيات جديدة تهدف إلى تعزيز الحوار مع القوى السياسية والاجتماعية المختلفة، ويرى مراقبون أن هذا المزج بين القديم والجديد يعكس رغبة ماكرون في استعادة ثقة الشارع الفرنسي دون التراجع عن أجندته الإصلاحية.
وردود الفعل على الحكومة الجديدة جاءت متباينة. فبينما رحب البعض بالتعديلات التي اعتبروها خطوة نحو الاستقرار السياسي، اعتبرت المعارضة أن التغييرات غير كافية لمواجهة التحديات الراهنة، فزعيم حزب “فرنسا الأبية”، جان لوك ميلانشون، وصف التشكيلة بأنها “محاولة يائسة لإعادة إنتاج نفس السياسات الفاشلة”، داعيًا إلى انتخابات مبكرة.
ومن جهة أخرى، رأى مؤيدو ماكرون أن الحكومة الجديدة تمثل خطوة ذكية للتعامل مع حالة الجمود البرلماني، مؤكدين أن التركيز الآن يجب أن ينصب على التوصل إلى حلول توافقية بشأن القضايا العالقة.
وتأتي هذه الخطوة في وقت حرج بالنسبة للرئيس ماكرون، الذي يواجه اختبارًا حقيقيًا لقدرته على قيادة فرنسا وسط أزمات متداخلة، من الاحتجاجات الاجتماعية إلى الأزمات الاقتصادية والسياسية، ويعتمد نجاح حكومته الجديدة على مدى قدرتها على تحقيق توازن بين تطلعات الشعب الفرنسي وضغوط المعارضة.
فالأسابيع القادمة ستكون حاسمة لتحديد ما إذا كانت هذه الحكومة قادرة على إخراج فرنسا من حالة الحصار السياسي وفتح صفحة جديدة من الاستقرار، أم أنها ستواجه نفس العراقيل التي أجهضت محاولات سابقة، فماكرون أمام فرصة أخيرة لإثبات جدارته كقائد قادر على إدارة الأزمات، وإلا فإن مصير إرثه السياسي قد يكون على المحك.