بدر شاشا
في وقت أصبح فيه العالم يتجه نحو الاستدامة والاستفادة القصوى من الموارد، لا يزال المغرب يعاني من مشكلة إدارة النفايات التي تتكدس في الشوارع والمطارح العشوائية، بدل أن تتحول إلى فرصة اقتصادية حقيقية، فالنفايات لم تعد مجرد مخلفات بلا قيمة، بل أصبحت موردًا اقتصاديًا يمكن استغلاله بطرق مربحة، غير أن غياب سياسات واضحة لإعادة التدوير واستثمار هذا القطاع يجعل البلاد تفقد سنويًا ملايين الدراهم من العائدات المحتملة، إلى جانب الأضرار البيئية والصحية الناجمة عن سوء تدبير النفايات
في المغرب، يتم إنتاج كميات هائلة من النفايات يوميًا، سواء المنزلية أو الصناعية أو الطبية، لكن نسبة إعادة التدوير لا تزال ضعيفة مقارنة بالدول المتقدمة، حيث تعتمد معالجة النفايات في معظمها على الطمر أو الحرق، مما يؤدي إلى تلويث التربة والهواء والمياه الجوفية، في حين أن هذه النفايات تحتوي على مواد قابلة للاستغلال، مثل البلاستيك والمعادن والورق، التي يمكن إعادة تدويرها وتحويلها إلى منتجات جديدة بدل استيرادها بأسعار مرتفعة
القطاع غير المهيكل يلعب دورًا أساسيًا في جمع وفرز النفايات، حيث يعتمد المغرب بشكل كبير على “الميخالة” أو عمال الفرز غير الرسميين، الذين يجمعون المخلفات القابلة للبيع ويعيدون إدخالها إلى دورة الاقتصاد، إلا أن هذا النشاط يتم دون تنظيم أو حماية اجتماعية، مما يحرم الدولة من مداخيل ضريبية، كما يحرم هؤلاء العمال من أي حقوق مهنية، في حين أن دمج هذا النشاط في إطار شركات رسمية يمكن أن يحوله إلى قطاع اقتصادي منظم يوفر آلاف فرص العمل
لكن تحويل النفايات إلى ثروة يتطلب إرادة سياسية قوية واستثمارات في البنية التحتية، فالمغرب بحاجة إلى إنشاء المزيد من وحدات الفرز وإعادة التدوير في كل المدن، بدل الاكتفاء بالمطارح العشوائية، كما يجب وضع سياسات تحفيزية لتشجيع الشركات على الاستثمار في هذا المجال، سواء عبر منح إعفاءات ضريبية أو دعم المشاريع الصغيرة التي تعمل في إعادة التدوير، بالإضافة إلى فرض قوانين تلزم الشركات الكبرى بتدبير نفاياتها بطريقة مستدامة
من جهة أخرى، يجب توعية المواطنين بأهمية فرز النفايات من المصدر، فبدون مشاركة السكان، لا يمكن لأي منظومة تدوير أن تنجح، ولهذا يجب إدماج التربية البيئية في المناهج الدراسية، وتشجيع الشركات والمراكز التجارية على توفير حاويات مخصصة للفرز، كما يمكن للدولة إطلاق حملات إعلامية تحسيسية لتعزيز ثقافة إعادة التدوير، بحيث يدرك الجميع أن ما يعتبرونه “قمامة” يمكن أن يكون موردًا اقتصاديًا ذا قيمة
إذا تم استغلال النفايات بطريقة ذكية، يمكن أن يصبح قطاع إعادة التدوير مصدرًا هامًا للإيرادات وفرص العمل، كما يمكن أن يساهم في تقليل استيراد المواد الأولية، وخفض التلوث، وحماية البيئة، فهل سيظل المغرب يهدر هذه الفرصة، أم أنه سيتبنى سياسات جديدة تجعل من النفايات أحد موارد الاقتصاد الأخضر؟