“إفريقيا بين فقراء بلا عدد وأثرياء بلا حدود: قراءة في خريطة الثروة 2025”

هيئة التحريرمنذ 4 ساعاتآخر تحديث :
“إفريقيا بين فقراء بلا عدد وأثرياء بلا حدود: قراءة في خريطة الثروة 2025”

في لحظة تاريخية تتقاطع فيها تناقضات القارة الإفريقية، جاء تقرير «ثروة إفريقيا 2025» ليضع أمامنا صورة أكثر دقة – وربما أكثر قسوة – عن توزيع المال والنفوذ في قارة تزخر بالذهب والماس والنفط، لكنها ما تزال في معظمها تعيش على هوامش الفقر.

التقرير يكشف أن إفريقيا اليوم تضم 122 ألفاً و500 مليونير، و348 من أصحاب المائة مليون دولار، و25 مليارديراً. غير أن هذه الأرقام – رغم بريقها – تحمل بين طياتها تناقضاً صارخاً؛ إذ تراجعت أعداد المليونيرات بنحو 9.4% خلال عام واحد فقط، بفعل تقلبات العملة وهجرة الثروة إلى الخارج، في مشهد يعكس أن رأس المال الإفريقي لا يجد دائماً في بيئته الطبيعية ملاذاً آمناً.

اللافت في التقرير أن الثروة لا تتوزع بعدالة بين 54 دولة، بل تنحصر في يد عشر منها تستحوذ على ثلاثة أرباع الأثرياء تقريباً. وجنوب إفريقيا وحدها تهيمن على المشهد، بأكثر من 41 ألف مليونير، أي ثلث ثروة القارة تقريباً، مع أنها لا تمثل سوى 4.7% من سكانها. أما مصر، فتأتي ثانية بـ18.800 مليونير، متقدمة على المغرب الذي قفز إلى المركز الثالث بـ7.500 مليونير، بفضل استقرار سياسي ، وقوة سوق مالية في الدار البيضاء، وعملة وطنية أظهرت قدرة على الصمود.

هنا يطل السؤال الكبير: هل نتحدث عن ثروة إفريقية أم عن “جزر ثرية” في محيط فقير؟ فالمشهد يوحي بأن المال لا يصنعه الاقتصاد بقدر ما تصنعه مواقع النفوذ السياسي والاستقرار المؤسساتي. لذلك نجد أن مراكز الثروة تنحصر في مدن كبرى مثل جوهانسبرغ، كيب تاون، القاهرة، الدار البيضاء، ولاغوس، وهي عواصم المال والنفوذ، أكثر مما هي مجرد عواصم جغرافية.

أما فئة المليارديرات، فهي أكثر انكشافاً للتفاوت؛ 25 شخصاً يتوزعون على سبع دول، يتصدرهم جنوب إفريقيا (8)، تليها مصر (7)، ثم المغرب (4). هؤلاء – وإن بدا حضورهم رمزياً من حيث العدد – إلا أنهم يشكلون رأس الهرم في معادلة توزيع القوة داخل القارة، حيث تتحول الثروة إلى نفوذ سياسي واستراتيجي يتجاوز حدود الاقتصاد.

لكن التقرير لا يقف عند الحاضر وحده؛ بل يفتح نافذة على المستقبل. التوقعات تشير إلى زيادة بنسبة 65% في عدد المليونيرات خلال العقد المقبل. وهذا يعني أن إفريقيا، رغم نزيف الهجرة والتفاوتات البنيوية، تظل أرض الفرص القادمة، ليس فقط في المعادن أو النفط، ولكن أيضاً في الصناعة والخدمات والتكنولوجيا المالية.

وهنا تكمن المفارقة التي ربما عبّر عنها التاريخ من قبل: قارة غنية بما في جوفها، فقيرة بما في يد شعوبها. فالمال موجود، لكن ملكيته تتركز في أيدٍ قليلة، بينما الغالبية العظمى تظل أسيرة الفقر والتهميش.

التقرير إذن ليس مجرد أرقام؛ إنه مرآة تعكس مأزق القارة بين ثروة تتسارع نحو القمة، وفقر يترسخ في القاعدة. وبين القمة والقاعدة، يظل السؤال مفتوحاً: أي إفريقيا نريد أن نراها في 2035؟ قارة الفرص الموعودة، أم قارة التناقضات المستمرة؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة