التباهي الزائف على مواقع التواصل الاجتماعي: بين مظاهر الثراء ومعاناة الفقراء وعدم مراعاة شعورهم
بدر شاشا
يشهد العالم العربي في الآونة الأخيرة ظاهرة متزايدة على مواقع التواصل الاجتماعي تتمثل في نشر تفاصيل الحياة الشخصية والتباهي بالمقتنيات والرفاهيات التي يملكها البعض. تتنوع هذه المشاركات بين ما يأكلون وما يشترون، وبين استعراض الهواتف الجديدة والماركات الفاخرة والهدايا التي يتلقونها، وحتى صورهم من الرحلات والسفرات التي يقومون بها. ومع هذا التوجه الجديد في عرض الحياة الخاصة، يبدو أن بعض الناس قد فقدوا الإحساس بالآخرين، خاصة أولئك الذين يعانون من الفقر أو العوز، ويعانون في صمت، بعيدًا عن الأضواء ومظاهر البذخ التي أصبحت جزءاً من حياتنا الرقمية اليومية.
إن التباهي بما يمتلكه الفرد على وسائل التواصل الاجتماعي لم يعد مجرد مشاركة بل أصبح وسيلة لإظهار التفوق الاجتماعي، وجعل الآخرين يشعرون بأنهم أقل حظاً أو أقل نجاحاً. ولعل أكثر ما يؤلم هو أن بعض هؤلاء الذين ينشرون هذه المظاهر الفاخرة يتجاهلون بشكل كامل المشاعر التي قد تثيرها هذه المشاركات لدى من هم أقل حظاً في المجتمع. هؤلاء الناس الذين لا يملكون حتى الأساسيات في حياتهم اليومية، والذين قد يشعرون بالغضب أو الحزن أو حتى الحقد على ما يرونه أمامهم.
يتحدث الكثيرون عن الزواج السعيد والمثالي ويعرضون صوراً لحفلات زفافهم الفاخرة وهداياهم الثمينة، لكن الواقع غالباً ما يكون بعيداً عن هذه الصورة الوردية. هناك من يعاني في صمت داخل منازلهم، ويفشلون في تلبية احتياجاتهم الأساسية، ناهيك عن شراء الهواتف الفاخرة أو السفر في رحلات ترفيهية. هذا الفارق الكبير بين ما يعرضه البعض وبين ما يعيشه الكثيرون في الواقع يخلق فجوة اجتماعية عميقة، تجعل من المستحيل على هؤلاء الذين يعانون أن يشعروا بأنهم جزء من المجتمع، إذ يشعرون بأنهم مستبعدون.
في هذه الظاهرة الاجتماعية المتنامية، لا يقتصر التأثير السلبي فقط على الفقراء أو المحتاجين، بل يمتد إلى جميع أفراد المجتمع. إذ أن التباهي الزائف بالسعادة والثراء يجعل من المستحيل على الناس أن يعيشوا حياتهم الحقيقية. فالكثيرون يشعرون بأنهم مجبرون على اللحاق بهذا الركب الزائف، ويسعون هم أيضاً إلى إظهار جانبهم المثالي حتى لو كان ذلك على حساب واقعهم الشخصي. هذه الدوامة من التباهي والتمثيل تجعل العلاقات الإنسانية أكثر تعقيداً وتجعل من الصعب على الناس أن يكونوا صادقين مع أنفسهم ومع الآخرين.
الله سبحانه وتعالى قد حذر في كتابه الكريم من التباهي والتفاخر بما يملك الإنسان، وأكد على أهمية التواضع والشعور بالآخرين. ففي القرآن الكريم، قال الله تعالى: وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَٰجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ، وهذا تحذير واضح من الله للناس بعدم الانشغال بما يملكه الآخرون من مظاهر زائفة في الحياة الدنيا، فالرزق الحقيقي هو ما يأتي من الله ويكون خالداً وأبقَى. هذه الآية تعكس جوهر ما يجب أن يكون عليه الإنسان، فبدلاً من التفاخر بما لديه، يجب أن يكون متواضعاً، ومراعياً لمشاعر الآخرين، وألا ينشغل بمظاهر الدنيا الزائفة.
من هنا تأتي ضرورة إعادة التفكير في كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وبدلاً من أن تكون وسيلة للتفاخر والتباهي، يجب أن نستخدمها كمنصة لنشر القيم الإيجابية، وتعزيز الوعي الاجتماعي، والعمل على دعم من هم في حاجة. يجب أن يشعر الناس بأن وسائل التواصل الاجتماعي هي وسيلة للتواصل الحقيقي والمشاركة الصادقة، وليس مجرد أداة لخلق الفجوات الاجتماعية وزيادة التباعد بين الفئات المختلفة في المجتمع.
لقد أصبح من الواضح أن المجتمعات العربية، بما فيها المغرب، تعاني من هذه الظاهرة التي تسهم في زيادة مشاعر الحسد والغيرة بين الناس، وتخلق مناخاً غير صحي من المنافسة الزائفة. ومع انتشار هذه الظاهرة، فإن الفقراء والمحتاجين يشعرون بمزيد من العزلة والتمييز. هؤلاء الناس، الذين يكافحون يومياً لتأمين لقمة العيش، يرون أمامهم صوراً ومقاطع فيديو لأشخاص يعيشون حياة مليئة بالترف والرفاهية دون أدنى اعتبار لمشاعرهم.
الحياة ليست كلها مظاهر وأشياء مادية، بل هي مجموعة من القيم والأخلاق التي يجب أن تحكم سلوكياتنا وتعاملاتنا مع الآخرين. الله عز وجل أمر بالزكاة والإحسان إلى الفقراء والمساكين، وحث على التراحم والتعاون بين أفراد المجتمع. هذا هو ما يجب أن يكون محور حياتنا، وليس التفاخر بما نملكه أو بما نرتديه أو نأكله.
يجب أن نعود إلى القيم التي تدعو إلى التواضع والإحساس بالآخرين، وأن ندرك أن السعادة الحقيقية لا تكمن في ما نملكه أو نظهره على وسائل التواصل الاجتماعي، بل في أن نكون مصدراً للخير والرحمة لمن هم حولنا. إذا استطعنا تغيير هذا التوجه السلبي، فإننا سنكون قد خطونا خطوة كبيرة نحو بناء مجتمع أكثر تماسكاً وتراحماً، حيث يشعر كل فرد فيه بأن له مكاناً ودوراً، بغض النظر عن مستوى ثرائه أو فقره.