تشهد العلاقات الأوروبية-الإفريقية في سنة 2025 منعطفاً تاريخياً يكشف عن اختلال التوازنات التقليدية في البحر الأبيض المتوسط. في قلب هذه التحولات، يبرز المغرب ليس كفاعل إقليمي فحسب، بل كجسر استراتيجي بين إفريقيا والغرب، بفضل دبلوماسية نشطة يقودها الملك محمد السادس، وبفضل موقع تاريخي يتيح له أن يملأ فراغاً تتركه أوروبا وهي تتراجع أمام تمدد النفوذ الأمريكي.
المفارقة أن المغرب، الذي يُستحضر في الذاكرة السياسية الأمريكية كحليف قديم منذ الحرب العالمية الثانية، يجد نفسه اليوم مصنفاً في مرتبة تقترب من مكانة شركاء أوروبيين كبار. هذه الخصوصية تحولت إلى سياسة عملية، مع القمة التي جمعت وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بنظيره المغربي في أبريل الماضي، والتي جرى خلالها تثبيت اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على صحرائه، ليس فقط في إطار ديبلوماسي، بل في صورة دعم سياسي وعسكري ملموس.
صفقات السلاح الأخيرة تجسد هذا التحول: مروحيات الأباتشي AH-64E التي تسلمها المغرب في مارس، وصفقة مقاتلات F-35 التي وضعت الرباط في موقع القوة العسكرية الأولى جنوب المتوسط. هذه القفزة تضع المغرب في مقارنة مباشرة مع إسبانيا، الدولة الأوروبية التي تعاني من فجوات عسكرية واضحة، وتفتح الباب أمام تحولات في ميزان القوى التقليدي بين الضفتين.
غير أن هذا الصعود المغربي يثير قلقاً أوروبياً لا تخطئه العين، خاصة بعد الانسحاب الفرنسي المتسرع من الساحل، وتراجع القدرة الأوروبية على إدارة ملفات إفريقيا. أوروبا تجد نفسها اليوم مضطرة لإعادة التفكير في دورها، بعدما باتت محاصرة بين مثلث واشنطن-المغرب-الساحل، فيما تراهن الرباط على تقديم نفسها كـ”مقاول أمني” للمنطقة، يربط أمن إفريقيا بالضمانات الغربية.
لكن التحديات لا تقل خطورة عن الفرص. الجزائر تظل عائقاً إقليمياً أمام أي تسوية مستدامة، في وقت يتقاطع فيه المسار الأمريكي مع مسار الأمم المتحدة بشكل قد يربك قواعد اللعبة. الأهم أن الطموح المغربي، رغم زخمه، ينطوي على مخاطر جسيمة: هل تستطيع المملكة أن تتحمل كلفة لعب هذا الدور الأمني في منطقة تعج بالأزمات؟ وهل يضمن المغرب أن الالتزام الأمريكي سيبقى ثابتاً أمام تقلبات السياسة في واشنطن؟
لكن ما يميز هذه اللحظة أنها ليست مجرد تحدٍ محفوف بالمخاطر، بل فرصة نادرة لتشكيل واقع جديد. المغرب، بما راكمه من ثقة سياسية ومكاسب استراتيجية، قادر على تحويل موقعه من مجرد شريك غربي إلى قطب إقليمي يفرض شروطه في معادلة المتوسط والساحل. وإذا ما أحسنت الرباط استثمار هذا الزخم، فإن إفريقيا برمتها قد تجد في هذا التحالف باباً لتعزيز استقلال قرارها السياسي والاقتصادي، لا بوصفها تابعة، بل بصفتها فاعلاً قادراً على إعادة صياغة علاقاته الدولية من موقع القوة.