في ظرفية سياسية واقتصادية تتسم بتوترات واضحة بسبب تحركات بعض دوائر الاتحاد الأوروبي تجاه المغرب، اختارت مدريد والرباط توطيد تعاونهما الثنائي من خلال توقيع اتفاقين محوريين في القطاعين الفلاحي والبحري، في خطوة تعكس قدرة الطرفين على تعزيز شراكة متوازنة قائمة على براغماتية واضحة تتجاوز صخب المناورات المؤقتة في بروكسيل.
وذكرت وزارة الفلاحة والصيد البحري الإسبانية أن الاتفاقين يركزان على الابتكار وتدبير المياه وتنمية العالم القروي ومحاربة الصيد غير القانوني، وهي مجالات أحرز فيها المغرب تقدماً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، ما يفسر تزايد اعتماد الشركاء الأوروبيين على الخبرة المغربية رغم ما تحاول بعض الجهات توظيفه من ضغوط مرتبطة بملف الصحراء.
وفي المنتدى الاقتصادي الإسباني–المغربي الذي احتضنته مدريد، أكد وزير الفلاحة الإسباني لويس بلاناس أن العلاقات الثنائية بلغت مستوى استراتيجياً غير مسبوق، مشيراً إلى أن المغرب أصبح فاعلاً مركزياً في الأمن الغذائي الإقليمي والاستقرار المتوسطي.
وذكر بلاناس أن الإطار القانوني للشراكة الأوروبية–المغربية يظل أساساً صلباً لهذا التعاون، وأن الطعون القضائية المتعلقة بالمنتجات القادمة من الأقاليم الجنوبية لن تغيّر من واقع الشراكة ولا من زخمها المتواصل، مؤكداً أن المزاج الأوروبي بدأ يتجه نحو مقاربة أكثر واقعية في التعاطي مع المغرب.
وقدّم المنتدى معطيات رقمية تعكس عمق العلاقات الاقتصادية بين البلدين:
20 مليار يورو كحجم للمبادلات التجارية سنة 2024
17 ألف شركة إسبانية تزاول نشاطها بالمغرب
12 ألف مقاولة مغربية مرتبطة بالسوق الإسبانية
3.8 ملايين سائح إسباني يتوجهون سنوياً نحو المغرب
هذه الأرقام تظهر بوضوح أن المغرب لم يعد مجرد جار لإسبانيا، بل شريك اقتصادي بنيوي وأسواقه تمثل بوابة استراتيجية للمقاولات الأوروبية نحو القارة الإفريقية.
من جانبه، شدد رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش على أن هذه الشراكة تقوم على الثقة والاحترام المتبادل، مضيفاً أن الاستثمارات المغربية في البنية التحتية والطاقة واللوجستيك فتحت آفاقاً واسعة أمام الشركات الإسبانية التي أصبحت جزءاً أساسياً من الدينامية التنموية الوطنية.
كما توقف أخنوش عند تنظيم كأس العالم 2030، الذي اعتبره مشروعاً استثمارياً واستراتيجياً مشتركاً سيعزز مكانة كل من المغرب وإسبانيا والبرتغال كمثلث متوسطي–أوروبي مؤثر.
وفي الجانب البحري، أعلن الوزير الإسباني بلاناس أن بروتوكولاً جديداً سيسهم في محاربة الصيد غير المشروع والحفاظ على الثروة السمكية، في انسجام مع السياسة المغربية التي جعلت من الاستدامة محوراً أساسياً في مخطط “أليوتيس”.
من جهتها، كشفت وزيرة التجارة الإسبانية أمبارو لوبيث أن الاستثمارات الإسبانية المتراكمة في المغرب بلغت 2.3 مليار يورو، ووفرت أكثر من 25 ألف وظيفة مباشرة، موزعة على قطاعات استراتيجية تشمل الطاقة وصناعة السيارات والفلاحة والنقل والنسيج والسياحة والبنية التحتية.
وعلى هامش القمة، حاولت بعض الأطراف—خاصة من جبهة البوليساريو—التشويش على اللقاء بخطابات متجاوزة للواقع الجيوسياسي، غير أن المعطيات الاقتصادية والاستراتيجية المقدمة من الحكومتين أبرزت أن قطار الشراكة يسير بثبات وبمنحى تصاعدي رغم كل الضجيج السياسي.













