رغم احتفاظ إسبانيا بموقع الصدارة في سوق الماندرين بألمانيا، تُظهر المعطيات الحديثة تقدّمًا مغربيًا متدرّجًا لكن ثابتًا داخل هذا السوق الأوروبي الحيوي، خاصة في سلسلة الماندرين والكليمونتين، في مسار يعكس تحوّلًا بنيويًا في السياسة الفلاحية والتصديرية للمملكة، يتجاوز منطق المنافسة الظرفية بالأرقام.
وخلال الموسم الفلاحي 2024/2025، سجّلت الصادرات المغربية من الماندرين والكليمونتين إلى السوق الألمانية ارتفاعًا غير مسبوق، إذ بلغت نحو 8.200 طن بقيمة مالية تناهز 12,1 مليون دولار، وفق بيانات منصة «إيست فروت» المتخصصة في تحليل الأسواق الفلاحية، وهو مستوى يفوق بكثير الرقم القياسي السابق المسجّل خلال موسم 2022/2023.
ولا يقتصر الأداء المغربي على حجم الصادرات فحسب، بل يمتدّ أيضًا إلى انتظامها الزمني. فبعد بلوغ الذروة في شهر يناير بحوالي 1.500 طن، حافظت الصادرات المغربية على مستويات غير معتادة خلال شهري أبريل وماي، في وقت كانت فيه الكميات تتراجع تقليديًا بعد شهر مارس، ما يعكس تحسّنًا ملحوظًا في سلاسل التبريد، واللوجستيك، وتدبير المواسم.
في المقابل، ورغم هيمنة إسبانيا على أكثر من 76% من السوق الألمانية، تشير المعطيات ذاتها إلى تراجع تدريجي في الصادرات الإسبانية سنة بعد أخرى، ما يفتح المجال أمام فاعلين جدد لإعادة توزيع الحصص داخل السوق، وفي مقدّمتهم المغرب.
وبفضل هذه النتائج، رفع المغرب حصته في الواردات الألمانية من الماندرين والكليمونتين إلى 2,5%، مقابل 1,3% فقط في الموسم السابق، متجاوزًا كلًا من اليونان وتركيا، ليحتلّ المرتبة الرابعة ضمن مزوّدي السوق الألمانية، خلف جنوب إفريقيا (11%) وإيطاليا (4%).
ومن منظور مغربي، لا يُقاس هذا التطوّر بمنطق “تجاوز إسبانيا” من عدمه، بقدر ما يُقرأ كجزء من استراتيجية وطنية تروم توسيع الحضور داخل الأسواق الأوروبية عالية المعايير، وتنويع الشركاء التجاريين، وتقليص الارتهان للأسواق التقليدية. فالمنافسة الحقيقية لا تُخاض بالأرقام المطلقة، بل بالقدرة على الاستمرارية، وجودة المنتوج، واحترام المعايير البيئية والصحية، وتثبيت الثقة مع المستوردين.
كما يندرج هذا التقدّم ضمن ثمار مخطط «الجيل الأخضر»، الذي أعاد توجيه الاستثمار نحو سلاسل القيمة المضافة، وربط الإنتاج الفلاحي بالتصدير الذكي، بدل الاكتفاء بمنطق الكميات.
وعليه، فإن ما تحققه الصادرات المغربية في السوق الألمانية اليوم لا يمثّل سقف الطموح، بل مرحلة انتقالية تؤكّد أن الفلاحة المغربية دخلت فعليًا مرحلة التموقع الاستراتيجي داخل الأسواق الأوروبية، على أساس الجودة والاستدامة، لا سباق الأرقام الظرفي.













