شهد قطاع الصحافة المكتوبة والإلكترونية، وخصوصا ما يرتبط بالصحافة الجهوية أساسا، العديد من التحديات والمحبطات، وذلك منذ فترة الجائحة وما نجم عنها من تداعيات سلبية وآثار، بعضها كان واضحا حتى قبل زمن كورونا، وهذه الأوضاع العامة أفرزت مخاطر تكاد تكون مهددة لوجود عدد من مقاولات هذا القطاع.
وإذا كان هذا التشخيص مشتركا بين كل جهات المملكة، وينتج يوميا مشكلات تكاد تكون واحدة بالنسبة لمعظم المقاولات الصحفية الجهوية، فإن الوضع في الجهات الصحراوية الثلاث يعاني من أزمات متفاقمة، ومن انسداد مضاعف، وذلك بسبب البيئة الاقتصادية المحيطة بالقطاع.
وإذ تلفت الهياكل الموقعة على هذا البلاغ، إلى أنها انخرطت منذ حوالي عقدين في دينامية تنظيمية وهيكلية وتأطيرية قادتها الفيدرالية المغربية لناشري الصحف في جهات العيون والداخلة وگلميم، ولها امتدادات فعلية في معظم مدن وأقاليم هذه الجهات الغالية لدى كل مغربية ومغربي، فلكونها اقتنعت دائما بأهمية وضرورة المدخل المقاولاتي لتنمية الصحافة الجهوية، المكتوبة والإلكترونية، وللحاجة الموضوعية للخروج من العمل العشوائي والممارسة الهاوية.
وتبعا لذلك، تحملت هذه الفعاليات المحلية الكثير من التضحيات والجهود، ونجح الكثيرون في بناء مقاولات صحفية صغيرة ومتوسطة أسست لنفسها مسارات واعدة وطموحة.
وحيث أن هذه المقاولات الصحفية الجهوية تتواجد وتعمل في منطقة تماس، وفي واجهة المعركة من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، والتصدي لكل الخصوم ودحض افتراءاتهم ودعايتهم الزائفة، فإنها انخرطت دائما في المعركة بحزم وجهد وعزيمة وقناعة، وهذا، بالضبط، ما أدى اليوم الى تحييد الكثير من الأصوات الإنفصالية والمعادية للمغرب، وفرض واقع تعبيري ومهني وطني مختلف.
وبدل أن تحضى هذه المقاولات الصحفية في الجهات الصحراوية بالمساندة والدعم الملموسين من طرف السلطات العمومية والهيئات المنتخبة والفاعلين الاقتصاديين المحليين، تركت تخوض المعركة الإعلامية الوطنية لوحدها بلا أي مواكبة، عدا الحضور التنظيمي والتأطيري والإسنادي الذي بذلته وتبذله الفيدرالية المــــــغربية لناشري الصحف إلى اليوم، وهي التي استطاعت توحيد كامل هذه المقاولات في صفوفها، وتابعت مسلسل تنظيمها القانوني والإداري والمهني، وأتاحت لها الاستفادة من الخبرات المهنية الوطنية والأجنبية، ولكن بقي الدعم المادي الملموس ضعيفا جدا، إن لم نقل غائبا ومنعدما.
وبعد أن تكبدت الكثير من المقاولات الصحفية في العيون والداخلة وگلميم والسمارة وطانطان ويوجدور وغيرها العديد من التحملات والصعاب، وصارت لديها هيكلة إدارية وتدبيرية محكمة، وانخرطت في مسلسلات التطوير والتأهيل المهنيين بالتدريج، تركت لحالها تواجه تبعات اختيارها المدخل المقاولاتي والتنظيم القانوني، ولم تتلق سوى الوعود التي لم تتحقق وتعابير حسن النوايا التي بقيت شفوية فقط.
وفي الفترة الأخيرة برزت مساعي وطنية أخرى تتصل بمقتضيات الولوج الى المهنة أو الاستفادة من الدعم الوطني العمومي، ومن شأنها أن تحرم العديد من مقاولات هذه الجهات العزيزة، وأيضا كامل الصحافة الجهوية ببلادنا، وأن تتسبب في اندثار بعضها.
بناء على كل ما سلف، من الضروري والمستعجل اليوم طرح سؤال الصحافة الجهوية بالأقاليم الصحراوية، وذلك ضمن الصرامة السياسية الوطنية المطلوبة، وأيضا من داخل حيثيات الواقع الميداني للقطاع في هذه المناطق كما هو حقيقة وليس كما يحلم أو يزعم البعض أن يراه أو، على الأصح، أن يتخيله.
الصحف المكتوبة والمواقع الإلكترونية العاملة في الجهات الصحراوية الثلاث، وخصوصا التي توجد في وضعية إدارية قانونية ولديها مقومات المقاولة الصحفية حسب ما يتيحه الواقع الحقيقي في المنطقة، تعاني اليوم من انعدام أي مداخيل أو إيرادات، وذلك لضعف المحيط الاقتصادي المحلي والجهوي، وبسبب سيادة عقلية وممارسة تدبيرية لا تستحضر أهمية الإعلام الجهوي.
وسبق أن ترافعت الفيدرالية المــــــغربية لناشري الصحف طيلة سنوات حول هذا الموضوع، وقدمت العديد من الاقتراحات، ولكنها بقيت بلا تفاعل حقيقي.
نسجل التعاون الإيجابي لولاة هذه الجهات، وخصوصا في العيون والداخلة، وتفهم الهيئات المنتخبة في العيون والداخلة وگلميم، ولكن هذه الإرادة الإيجابية والمشجعة لم تكتمل ببرامج ملموسة، وحتى لما جرى التوقيع على اتفاقية شراكة بين فرع الفيدرالية بالداخلة ومجلس جهتها لم يتم تفعيل ذلك عمليا الى اليوم بسبب شكليات ادارية بسيطة في وزارة القطاع مركزيا نأمل حلها في القريب، ما سيشكل تشجيعا أيضا لباقي منتخبي الجهات الأخرى للسير على ذات المنوال، والشروع الجماعي في التأسيس لمنظومة دعم عمومي جهوي موازاة مع الدعم المركزي الوطني، وبما يسهل إنقاذ مقاولات الصحافة بهذه الجهات، ويسندها لتتابع القيام برسالتها المهنية والوطنية.
هذه المقاولات، التي تقودها قناعاتها الوطنية الراسخة، تعاني اليوم من فقر مدقع، ومن تراكم مستحقات الالتزامات الإجتماعية للأجراء، وأيضا من شروط تعجيزية تفرض عليهم من داخل مؤسسات المهنة ولا تراعي ظروفهم وخصوصيات مجال عملهم، ومن ثم يعتبر تحدي تمتين الواقع الاقتصادي والمالي لهذه المقاولات الصغرى هو الأولوية في هذه المرحلة.
ونناشد السلطات الترابية بالجهات الثلاث، والسادة الولاة أساسا، بقيادة هذا الورش التأهيلي الى جانب التنظيم المهني الممثل لهذه المقاولات، وتعبئة الهيئات المنتخبة والمؤسسات الاقتصادية للانخراط في ذلك، والحرص على خدمة مصلحة البلاد وصورتها العامة أولا وقبل كل شيء.
إن بعض هذه المقاولات والقائمين عليها وصحفييها صاروا عرضة للكثير من عمليات التهجم والتشنيع والتحريض من طرف أبواق الانفصال وخصوم الوحدة الترابية، وذلك بسبب اختياراتها الوطنية وتصديها للتضليل الإعلامي في حق قضيتنا الوطنية الأولى، ومن ثم تستحق هذه المقاولات الدعم والإسناد وليس ان تترك وحيدة بلا مقومات وجود واستمرار ومواجهة.
التحديات اليوم أمام الصحافة المكتوبة والالكترونية بالجهات الصحراوية الثلاث هي تحديات وجود، وبإمكان السلطات العمومية حل معظمها اذا توفرت الإرادة الصادقة وحضر الذكاء السياسي وبعد النظر، ومن شأن ذلك تقوية وتمتين صحافة جهوية تمتلك المهنية والمصداقية والقدرة على التأثير، كما أن هذه المقاولات الوطنية حقا وممارسة تستحق الدعم والثناء لجهودها وتضحياتها وحضورها المهني في الصحراء المغربية انتصارا للقضية الوطنية، وللمصالح العليا لبلادنا، وإسهاما في تعزيز التنمية والوحدة والاستقرار والانفتاح.
وإذ نصدر اليوم هذا النداء المستعجل، الذي أملته مساعي تضييقية يجري التخطيط لها وطنيا، فإننا ننبه الى ضرورة استحضار واقعنا المهني المحلي وحجم مقارباتنا وما تعانيه من صعوبات، ونعيد التذكير بأهمية الالتفات الى قطاع الصحافة المكتوبة والإلكترونية بالصحراء المــــــغربية، والحرص على تحفيز الاستثمار فيه، والعمل من أجل تقوية العرض الإشهاري المحلي والجهوي، وحث الفاعلين الاقتصاديين والهيئات المنتخبة على الاهتمام بالأمر، ومن ثم التفاعل الإيجابي السريع مع مطالب وانتظارات هذه المقاولات الجهوية، ومع ممثلهم التنظيمي الفيدرالية المــــــغربية لناشري الصحف، والعمل معا من اجل صياغة منظومة محكمة للدعم العمومي الجهوي، من شأنها إنقاذ هذه المقاولات وتقويتها وتمتينها.
هذه مسؤولية السلطات الترابية والهيئات المنتخبة أولا، ويجب ان تسارع للقيام بها، ونعول على إرادة التعاون التي ما فتئ يعبر عنها ولاة هذه الجهات، وخصوصا والي جهة العيون ووالي جهة الداخلة، ونأمل أن ينكبوا بشكل مباشر على ورش العمل لتأهيل الصحافة المكتوبة والالكترونية بالجهات الصحراوية وتنمية الموارد المالية للمقاولات المعنية.
وبنفس القوة والأمل والتطلع نناشد الوزارة المكلفة بالقطاع ومؤسسة التنظيم الذاتي للمهنة أن يستحضرا واقع عمل الصحافة بالجهات الصحراوية ويحرصوا على إعمال نوع من” التمييز الإيجابي” في حقها، بالنظر لما يتصل بطبيعة عملها وسياقات ظروفها ومحيطها العام.
نتمنى صادقين أن يعكس هذا البلاغ حجم معاناة قطاع الصحافة المكتوبة والالكترونية بالجهات الصحراوية الثلاث، واستعجالية ما يجب القيام به من طرف السلطات العمومية.