تنظر الكثير من الدول في شمال أفريقيا والشرق الأوسط إلى تحلية مياه البحر على كونها خط الدفاع الأخير للتغلب على واقع الإجهاد المائي، وليست حلا في حد ذاته لأزمة مناخية معقدة.
وعلى سبيل المثال، فإن بناء السدود في ظل غياب التساقطات المطرية – بفعل التغيرات المناخية – سياسة غير ناجعة بالنسبة للمغرب، إذ لم تعد تخفف، كما في السابق، من تداعيات السنوات العجاف.
وقد تسببت موجة الجفاف الأخيرة إلى انخفاض نسبة ملء السدود إلى حوالي 24 في المئة وتقليص المساحات المسقية إلى أقل من النصف (417 ألف هكتار مقابل مليون و600 ألف هكتار خلال السنوات العادية).
ويحذر البنك الدولي من أن المغرب أحد أكثر بلدان العالم التي تعاني من شح المياه، إذ يقترب بسرعة من الحد المطلق لندرة المياه البالغ 500 متر مكعب من المياه للشخص الواحد سنويا.
ويؤثر هذا الوضع على نسبة نمو الاقتصادي المغربي الذي يعتمد بنحو 14 في المئة على الزراعة.
ويشيد المسؤولون المغاربة بتقنية تحلية مياه البحر، مشيرين إلى أنها أنقذت بعض المناطق من حدة الجفاف.
ومؤخرا، قال نائب رئيس مجلس جهة سوس ماسة (جنوب)، رشيد بوخنفر، لوكالة رويترز للأنباء، “لولا تحلية لما كان بوسع (مدينة) أكادير توفير ما يكفي من المياه للشرب”.
ويُطل المغرب على واجهتين بحريتين ما يجعله قادرا – عكس دول أخرى – على توسيع برامج التحلية مستقبلاً.
وفي مطلع نوفمبر الماضي ، قال وزير التجهيز والماء نزار بركة إن “الحكومة عازمة على مضاعفة حجم المياه المتأتية من تحلية مياه البحر لتخفيف الضغط على السدود، وتخصيص باقي الموارد للفلاحة وللمدن الداخلية”، وفق ما أورده موقع إخباري محلي.ط
وأضاف المصدر ذاته أن محطات تحلية المياه التي تتوفر عليها المملكة “تنتج 147 مليون متر مكعب مقابل استهلاك يبلغ 1300 مليون متر مكعب في مجال الماء الصالح للشرب”.
وعلاوة على تحلية مياه البحر، فإن خبراء محليين يطالبون بالانفتاح على تقنيات جديدة لتوفير المياه، مثل الاستمطار الصناعي (cloud seeding) عبر تلقيح السحب بطريقة كيميائية، وهي تقنية وظفتها الإمارات والسعودية ودول خليجية أخرى.
ورغم عدم نجاح كل تجارب الاستمطار الصناعي، إلا أنها تظل أيضا خيارا “مرّاً” وليس ترفاً، مثلها مثل تحلية مياه البحر.
وتُسبب عملية إزالة الملوحة عن مياه البحر مشاكل بيئية كبيرة، إذ تعتمد عادة على حرق كميات هائلة من الوقود، ما يُسبب في انبعاثات أكسيد الكاربون.
وليس هذا مشكلا اقتصاديا كبيرا فحسب بالنسبة للمغرب، الذي يعتمد على استيراد معظم حاجياته من الطاقة، إنما أيضا مشكلة بيئية تقلق الكثير من الخبراء.
وفي حوار مع المهندس البيئي والخبير في الشأن المناخي بمؤسسة “فريدريش ناومان” الألمانية، حمدي حشاد، قال إن “تحلية مياه البحر باستخدام الطاقة الأحفورية سياسة عبثية”.
وينتقد الكثيرون حرق الغاز الطبيعي والفحم لإنتاج المياه، خاصة في النطاقات الجغرافية التي تعاني من التغييرات المناخية، مشيرين إلى أن انبعاثات غاز أكسيد الكاربون هي السبب في احترار الأرض وموجات الجفاف الحالية، وأن إضافة أطنان أخرى من هذه الغازات إلى المجال الجوي سيعمّق المشكل المناخي.
وبالإضافة إلى ذلك، يقول حشاد، إن هذه التكنولوجيا “مُكلفّة للغاية وتخلّف مشاكل بيئية رهيبة ، فالملح الذي يُستخرج ينتهي به المطاف في الوسط الطبيعي ما يؤثر على الكائنات البحرية”.
لكن المغرب يؤكد رغبته في تشغيل محطات تحلية المياه مستخدما الطاقة المتجددة.
فقد أمر العاهل المغربي محمد السادس، المسؤولين بتسريع وتيرة أعمال التطوير يتضمن “إنجاز المشاريع الثلاثة للطاقة الشمسية نور-ميديلت وتحلية مياه البحر والقطاع الواعد للهيدروجين الأخضر واستخداماته”.
وتمثل الطاقة الشمسية والريحية والمائية 35 بالمئة من المزيج الطاقي للمغرب، بينما يضع ضمن أهدافه زيادة هذه النسبة إلى 50 بالمئة في عام 2030 و80 بالمئة بحلول عام 2050.
ويستفيد المغرب من موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المثالية اللازمة لتطوير مشاريع متجددة، ويمكن أن تضمن إنتاج الطاقة بشكل كافٍ على مدار العام.
لكن حتى بعد تشغيل المحطات بالطاقة النظيفة والتخلص من الملح بطُرق صديقة للبيئة، فإن هذه التقنية غير قادرة لوحدها على تغطية العجز الذي يهدد الموارد المائية، خاصة في القطاع الفلاحي الذي يستنفد كميات هائلة من المياه.
من جانب آخر، فإن هذه السياسة قد تكون ناجعة عند استخدامها لتزويد المنازل بالمياه الصالحة الشرب في المناطق الأكثر تعرضا للجفاف، بينما يتم الاستثمار في تقنيات أخرى، مثل ” الاستمطار”، ومعالجة المياه العادمة كمورد مائي إضافي.
وأطلق المغرب عدة إستراتيجيات وخطط للتصدي للتحديات المناخية، منها مخطط المغرب الأخضر للتنمية الفلاحية لمساندة أنشطة الفلاحة المراعية للمناخ، والإستراتيجية الوطنية للطاقة لتعميم استخدام الطاقة المتجددة، والإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2030، والمخطط الوطني للمناخ لعام 2030.
ورصدت الحكومة المغربية في مشروعها لقانون المالية 2023، ما مجموعه 10,6 مليارات درهم لمعالجة ندرة المياه، بزيادة حوالي 5 مليارات درهم مقارنة بالسنة الماضية.