في لحظةٍ تتكثف فيها المأساة لتغدو مشهداً كاشفاً عن انهيار الأخلاق السياسية الدولية، شهد قطاع غزة قصفاً إسرائيلياً استهدف مستشفى ناصر، موقعاً عشرين قتيلاً، بينهم خمسة صحفيين، وكأن الحرب لم تعد تكتفي بأجساد المدنيين، بل باتت تطارد الكلمة والصورة أيضاً.
الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بدا متحفظاً على غير عادته، معلناً من البيت الأبيض استياءه من العملية، قائلاً بلهجة تعكس ارتباكاً أكثر مما تعكس موقفاً سياسياً حاسماً: “لست راضياً عنها. لا أريد أن أراها. وفي الوقت نفسه، علينا أن ننهي هذا… الكابوس.” وكأن الكابوس خارج دائرة الفعل الأميركي، وكأن واشنطن ليست ركيزة استمرار الحرب.
أما وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي فاختار لغة الفزع، داعياً إلى وقف فوري للنار وحماية الصحفيين والعاملين في الرعاية الصحية، فيما اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن ما جرى “لا يمكن التسامح معه”، مستخدماً لغة أخلاقية لكنها تفتقر لأي ترجمة سياسية فاعلة.
ألمانيا بدورها أعلنت “صدمتها” ودعت إلى التحقيق، بينما عبّرت جمعية الصحافة الأجنبية عن غضبها، مؤكدة أن الغارة تمثل واحدة من أكثر الهجمات دموية على الصحفيين منذ بدء الحرب، ومطالبة بوقف استهدافهم فوراً. لكن ما قيمة الغضب إذا ظل بلا أثر سياسي؟
في المقابل، أطلق فيليب لازاريني، المفوض السامي للأونروا، صرخة تفضح العجز الدولي، واصفاً الموقف بـ”التقاعس الصادم” أمام مشاهد الموت والدمار. أما مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس جيبريسوس، فذهب إلى أبعد من ذلك، رابطاً بين المجاعة التي تفتك بالأطفال وتدمير المستشفيات، ومطالباً بوقف فوري للهجمات والنار معاً.
تفاصيل القصف تكشف عن وحشية مضاعفة: غارتان متتاليتان استهدفتا مبنىً طبياً داخل المستشفى، في الوقت الذي كان فيه الصحفيون يجهزون كاميراتهم، قبل أن تتحول الصور التي لم تُلتقط إلى مشاهد موت على أرض الواقع.
هذه الفاجعة، التي أودت بحياة مريم أبو دقة، معاذ أبو طه، أحمد أبو عزيز، حسام المصري، ومحمد سلامة، ليست مجرد رقم إضافي في قائمة الضحايا، بل هي رسالة دامية تقول إن الحقيقة نفسها باتت هدفاً للحرب، وأن العالم – على الرغم من بيانات الغضب والاستياء – يواصل ممارسة صمته المدوي.