من التواضع إلى التعالي: كيف يغير العمل نظرة المغاربة لأنفسهم ومكانتهم الاجتماعية

هيئة التحرير1 نوفمبر 2024آخر تحديث :
من التواضع إلى التعالي: كيف يغير العمل نظرة المغاربة لأنفسهم ومكانتهم الاجتماعية

شاشا بدر

في المغرب، تنتشر ظاهرة متناقضة تثير التساؤلات حول مفهوم العمل ومعناه لدى العديد من الأشخاص، فمن الشائع أن نسمع العاملين يشتكون بعبارات مثل لدي جوج فرانك، في إشارة إلى تدني الدخل رغم وجود عملهم. يبدو وكأن هذه الجملة تعكس حالة من الاستياء وعدم الرضا عن الظروف المادية، ورغم حصولهم على وظيفة، يظل لديهم شعور بعدم تحقيق الأمان المالي المطلوب، ما يؤدي إلى نظرة قاتمة نحو العمل، ويجعلهم يعتبرون أنفسهم يعملون من أجل لا شيء ، أو أن العمل لا يكفي لسد احتياجاتهم، بينما ينظر الآخرون إليهم وكأنهم في نعيم مقارنة بمن لا يجدون عملاً على الإطلاق.

أما بالنسبة للأشخاص الذين لا يعملون، فهم ينظرون إلى الوظيفة كحلم يحقق لهم الأمان والاستقرار، يعيشون على أمل الحصول على عمل يغير حياتهم للأفضل، ويحسن من أوضاعهم المعيشية. يتخيلون الوظيفة بوابة للارتقاء الاجتماعي وتحقيق الذات، ولذا فهم يبذلون جهوداً كبيرة في البحث عن فرص للعمل، سواءً في القطاعين العام أو الخاص، ويعتقدون أن العمل سيجعلهم أشخاصًا أكثر سعادة ورضا. إلا أنه عند دخولهم سوق العمل وتحقيق حلمهم في الحصول على وظيفة، يجدون أنفسهم أمام تحديات يومية تتمثل في الضغوط الوظيفية والروتين. بعد مرور فترة من الزمن، قد يبدؤون بالتذمر من أعباء العمل أو من الدخل الذي يحصلون عليه، ويتحول الحلم الذي كان يراودهم إلى واقع مشوب بالتحديات، ويصيبهم نوع من الملل وفقدان الحماس الذي كان لديهم في البداية، وكأن العمل لم يعد يجلب لهم السعادة التي كانوا يتوقعونها.

تتعمق هذه المفارقة حين نلاحظ أن الكثير من الأشخاص في المغرب يتغيرون بعد الحصول على الوظيفة، فمن كان قبل العمل يظهر تواضعًا شديدًا وانحناء في رأسه، يظهر توجهاً أكبر نحو البساطة واحترام الجميع، إلا أن هذا السلوك يتبدل في بعض الأحيان بعد الحصول على الوظيفة. فبمجرد أن يصبح الشخص موظفًا، يبدأ في اكتساب صفات مختلفة، فيشعر أحيانًا بنوع من الاعتزاز بالنفس وقد يتحول إلى شخص أكثر ثقة، وأحيانًا قد تتجاوز هذه الثقة لتصبح نوعًا من التعالي على من حوله. يظهر هذا السلوك في التعامل مع الزملاء أو مع المواطنين إذا كان يعمل في القطاع العام، حيث يشعر البعض أن وظيفتهم تمنحهم سلطة أكبر، ويميلون إلى عدم إظهار نفس التواضع الذي كانوا عليه قبل توظيفهم.

هذه الظاهرة تعكس مجموعة من التحديات الاجتماعية والثقافية التي تواجه المجتمع المغربي، حيث يعتبر البعض أن التحول من شخص عاطل إلى شخص موظف يتطلب تعديلًا في الشخصية أو السلوك، بينما قد يكون السبب وراء هذه التغييرات هو الضغط المجتمعي الذي يربط بين الوظيفة والمكانة الاجتماعية. في بعض الحالات، يشعر الموظف أنه بحاجة إلى التأكيد على دوره الاجتماعي أو مكانته الجديدة، وبالتالي يتبنى سلوكيات قد لا تكون طبيعية بالنسبة لشخصيته الأصلية، مما يخلق فجوة بين ما كان عليه قبل العمل وما أصبح عليه بعده.

كما يمكن أن يُعزى هذا التغير إلى شعور الموظف بالاستقلالية والقدرة على الاعتماد على نفسه بعد حصوله على دخل ثابت، مما يجعله أكثر ثقة في مواجهة تحديات الحياة ويزيد من حسه بالمسؤولية. ومع ذلك، فإن هذه الثقة قد تنقلب في بعض الأحيان إلى نظرة متعالية على الآخرين، خاصة إذا كان الفرد يعمل في منصب يشعره بالسلطة والنفوذ. على الرغم من أن الوظيفة توفر مصدر دخل وتحقيق الذات، إلا أنها قد تؤدي في بعض الأحيان إلى تغيرات سلبية في الشخصية تجعل البعض ينظرون إلى الوظيفة ليس فقط كوسيلة للعيش، بل كوسيلة لتحقيق النفوذ.تعكس هذه المفارقة أبعادًا نفسية واجتماعية وثقافية ترتبط بنظرة الفرد إلى العمل وكيفية تأثيره على شخصيته وسلوكه. في حين أن العمل يعتبر في العديد من الثقافات وسيلة للتطور والنضج الذاتي، إلا أن التحول من حالة التواضع قبل التوظيف إلى حالة من الثقة المفرطة بعده يشير إلى الحاجة لفهم أعمق لمعنى الوظيفة كرسالة وعمل بناء، وليس فقط كمصدر دخل يغير من مكانة الفرد في المجتمع.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة