هل وصلنا إلى” ثقافة الإستقالة بشرف” بدل “الطرد والمعاقبة “؟

هيئة التحرير23 أغسطس 2024آخر تحديث : الجمعة 23 أغسطس 2024 - 11:22 صباحًا
هيئة التحرير
مقالات الرأي
هل وصلنا إلى” ثقافة الإستقالة بشرف” بدل “الطرد والمعاقبة “؟

بقلم : أحمدو بنمبا

لا شك أن ثقافة تقديم الإستقالة تُعد من الأمور الحضارية والديمقراطية المتقدمة، فهل وصلنا نحن إلى مستوى حضاري ديمقراطي يؤهلنا إلى تقديم الاستقالة بعد الفشل في تحقيق الأهداف المرجوة ؟ الإجابة بالتأكيد هي : لا ، لم نصل إلى المستوى الحضاري والديمقراطي الذي يؤهلنا إلى تقديم الاستقالة بعد الفشل .

هنا ربما يتبادر الى أذهاننا سؤال بريء أو غير بريء عما يمنع المسؤول او الموظف النزيه غير القادر على أداء مهامه من تقديم استقالته ؟ أليست الاستقالة جزءاً من العمل الديمقراطي ؟ أم أن الديمقراطية لا يفهمها المسؤول عندنا إلا لمجرد كونها امتيازاتٍ وأموالا وعقوداً وصفقات يستحوذ عليها هو وزمرته التي ينتمي إليها وأفراد عائلته ؟

وعندما ننظر لمجتمعنا بالداخلة تحديداً نجد أن ثقافة الاستقالة معدومة إلا اذا كانت ستؤدي لمكان افضل ، وقتها قد نجد الاستقالات ، فمن النادر جدا ان يقر أي مسؤول او موظف بالقصور او الخطأ في عمله وأن يقدم استقالته بناء على هذا القصور لأن الاعتراف بالخطأ والاعتذار بالاستقالة ثقافة ليست موجودة لدينا.

ثقافة الاعتذار والاستقالة اليوم عادية جدا، فليس أمرا مستغرباً مثلا أن يخرج مسؤول بقطاع معين او منتخب على رأس مجلس منتخب او موظف ويعلن الاستقالة من منصبه لأنه لم يتمكن من إنجاز المهمة التي أتى من أجلها ، او لم يستطع تنفيذ الخطط التي وضعها ضمن استراتيجية عمله أو مؤسسته،..، وليس في هذا أي عيب او نقصان من مكانته او شأنه، فليس بالضرورة أن كل من يتولى منصبا هو أهل له، أو لديه من الامكانات والقدرات ما تؤهله للقيام بالمهام الموكلة إليه، والشخص نفسه الذي لم يستطع إنجاز هذه المهام في هذا المنصب، ليس مستبعدا ان يكون مبدعا في مجال آخر، او منصب جديد في قطاع هو أقرب اليه.

عندما يحصل الشخص على المنصب نجده يتشبث بهذا المنصب لأطول مدة ممكنة ولا يبعده عن منصبه الا تغييرات عليا أو تقاعد محتوم وفي مرات نادرة تكون الاستقالة هي فك الارتباط بين الشخص ومنصبه. الاستقالة أو طلب الإعفاء هو من الفوارق الفردية بين المنتمين للعالم المتقدم والعالم الثالث في كل شيء سواء كان في الأمور الشخصية أو العملية، لهذا يدرب العالم المتقدم النشء على ثقافة الاستقالة لأنها أمر إيجابي، يفعل العكس أفراد العالم الثالث لأنهم يعتبرونها نوعاً من الهروب أو الانهزامية، ولهذا تختلف درجة الإنتاجية بين العالمين وكذلك حجم الطموح عند الشباب.

الاستقالة في العالم تحدث إذا ما أخفق المسؤول في أبسط الأمور كتعبير عن الاعتراف بالتقصير وهذه من الفضيلة، الاستقالة يفعلها النجباء ومن يعلمون أنهم يستطيعون الإنتاج في مواقع آخرى، من لا يعترف بثقافة الاستقالة هو من يريد الاستمرار في إخفاقاته ولا يهتم بنتائجه من باب الأننانية لكي يحظى بوهج المنصب أو للتحكم بالطرف الآخر كالزوجة مثلاً، ولهذا أمر الله سبحانه الرجل بعدم ترك الزوجة كالمعلقة إذا لم تطب العشرة بينهما، كذلك من لا يستطيع الاستقالة هو على يقين بأنه لن يجد أي فرصة للنجاح والتقدم ولهذا هو يتمسك بالوضع مهما كانت الظروف.

لابد أن ننمي ثقافة الاستقالة عند المسؤولين قبل أبنائنا وبناتنا لأنها نوع من أنواع التطور في التعامل تأتي بكل مفيد وتفتح الباب للمنافسة واحترام النفس والآخرين، هي ثقافة تؤسس منذ الصغر ويشجعها المجتمع أو يستنكرها مع العلم أن فوائد ممارستها جمة وعدم الاعتراف بها أو استنكارها له مصائب كثيرة وخطيرة، لهذا لابد أن نعيد النظر في ثقافة الاستقالة كنوع من التقدم الذي ينشده كل ذي قلب وعقل وبهذا تتحول المجتمعات حتى من العالم التاسع للأول قولاً وفعلاً.

عزيزي المواطن .. الاستقالة قد لا تكون بالضرورة بسبب فشل ما أو ارتكاب أخطاء، فعلى سبيل المثال : رئيس الوزراء الأيرلندي ليو فارادكار قدم استقالته من منصبه بشكل إعتيره البعض مفاجئا ، وذلك بعد أيام من تصريحاته اللافتة عن محنة الشعب الفلسطيني ، وهو قرار لم يكن منتظراً لرئيس الحكومة الذي كان يتمتع بشعبية واسعة في بلاده . لقد قال فارادكار في كلمة مؤثرة للصحفيين في دبلن اليوم الأربعاء “أعلن استقالتي من رئاسة وقيادة حزب فاين غايل (المشارك في الائتلاف الحاكم)، وسأقدم استقالتي من رئاسة الحكومة متى بات خليفتي قادرا على تولي هذا المنصب”.

ثقافة الاستقالة ليست عيبا أو تقليلا من شأن صاحبها لكنها فضيلة الاعتراف بالفشل أو التقصير أو عدم القدرة، وهى تحسب لصاحبها وتضيف إليه قدرا كبيرا من الاحترام فى عيون الآخرين طالما لم يستقل وهو متهم فى قضية مخلة بالشرف أو بمقتضيات وظيفته.

sahel

السؤال: أين المسؤولون والمنتخبون والموظفون في جهة الداخلة وادي الذهب من هذه النماذج الحضارية؟.

ومن وجهة نظري المتواضعة استطيع أن نعرف الاستقالة في الدول الديمقراطية على أنها ثقافة تحمل المسؤولية، وهي ثقافة ليست فقط غائبة وغير معروفة ومفهومة في مجتمعاتنا، بل تقابل بالاستهزاء، باعتبارها هزيمة وانسحاب لا تليق بالفرسان، واذا لم يكن المسؤول (عندنا) فارساً، فمن سيكون غيره. وتصور من جهة اخرى على انها خيانة للمواطن ، لانها قد تتخذ ذريعة على سوء ادارته، وتقف (نظرية المؤامرة) بالمرصاد لتحليل دوافع الاستقالة.

الاستقالة والاسراع بتقديمها تعني أولاً الاعتراف بالخطأ المهني، وهذا يعني أن المسؤول أو المنتخب او الموظف …… الخ يعترف بضعف متابعته للمسوؤلين الأدنى، وعدم نجاحه في تدبير مهامه ، وهي تهدف إلى اعلاء شأن قيمة المسؤولية الأدبية والالتزام الاخلاقي للموقع الوظيفي، الاستقالة وتحمل المسؤولية هما عمل شجاع، وسيؤدي شيوع ثقافة الاستقالة إلى انتشار وتقبل مفهوم تحمل المسؤولية والمحاسبة والمراقبة.

إن ثقافة الاستقالة أمر معروف وشائع ومفهوم في الدول الديمقراطية، وتقابل باحترام ولكنها لا تعفي من المساءلة والملاحقة القضائية. ويحتاج أمر شيوعها كثقافة إلى حاضنة شعبية تتفهمها، من الرجال يعتقدون أن ذاتهم اعظم من كراسي المسؤولية ، وأن لا وجود لأية انواع من اللواصق والمثبتات بينهم وبين الكراسي التي يجلسون عليها، وان استقالاتهم تعني لهم اشياء اكبر وأعز من بقائهم في المنصب.

فالشخص المسؤول تجده ملتزماً تجاه أمته بتقديم كل ما يستــطيع لضمان عدم حدوث خلل من جانبه قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بمواطنــيه، وإذا أحس في أي لحظة بعجزه أو فشله في تحقيــق ذلك تنحـى عن منصبه.

فلماذا لا نحاول تثقيف أنفسنا وترويضها على ثقافة الاستقالة بدلاً عن الإقالة؟

إن مشكلتنا الأزلية تكمن في أن ، المسؤول أو المنتخب أو المدير …. الخ على اعتقاد تام ودائم بأنه لم يقصر في شيء.

وتأسيسا على ذلك أتساءل : ألم يحن الوقت لكي يرحل مسؤولون من تلقاء أنفسهم بعد أن فشلوا في إدارة مؤسساتهم ؟ أم أن رحيلهم مرتبط بقرار متعدد الرؤوس ( المجتمع ،المواطن ، الأهل ، والإدارة ..) ويجبرونهم على مغادرة كراسيهم غير مأسوف عليهم ؟

هل ستبقى ثقافة العظمة والنظرة الدونية للغير التي يتسلح بها مسؤولينا هي السائدة؟ متى سيأتي اليوم الذي نعترف فيه بأخطائنا ونتحمل المسؤولية بكل معانيها؟ الوظيفة أو المنصب تكليف قبل أن يكون تشريف “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” سنحاسب على كل صغيرة وكبيرة اين نحن من عمر بن الخطاب حين قال “والله لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله عنها لما لم تصلح لها الطريق يا عمر؟”.

وأخيرا يطرح السؤال التالي : هل ستهب علينا رياح ثقافة الاستقالة، ونتخلص من الإقالة التى بطعم الاستقالة ؟ سؤال أتمنى له إجابة فى القريب بإذن الله.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة