بقلم : مراد بورجى
صفعة قوية تلك التي تلقّاها رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، بعد يوم واحد من تنصيب حكومته، بإعفاء الملك محمد السادس لوزيرة الصحة من مهامها الحكومية، وإعادة حقيبة الصحة إلى “البروفيسور” خالد أيت الطالب.
هذا التصحيح، جاء من الملك، أيًّا كانت “التخريجات”، التي استُعملت لتبرير هذا الإعفاء، رغم أن مصادر عليمة تتحدث عن إقالة بسبب دخولها في عملية إقالة مسؤولين بوزارتها.
المهم، إذا كان عزيز أخنوش هو من طلب من الملك إعفاء وزيرة الصحة، أو كانت وزيرة الصحة هي من قدمت ملتمسا بذلك، ففي جميع هذه الحالات، فإن هذا يعتبر استهتارا بالمسؤولية ومضيعة لوقت الملك.
وإذا كان بلاغ القصر الملكي قد ذهب بعيدًا في تفسير هذا الإعفاء حين ربطه بجسامة المسؤولية التمثيلية لنبيلة الرميلي بصفتها رئيسة لمجلس مدينة الدارالبيضاء، وما تقتضيه هذه المهمة من متابعة مستمرة لقضايا سكانها، وللأوراش المفتوحة بهذه المدينة الكبرى، فإنه فسّر هذا الإعفاء بكونه سيؤثر على الالتزامات الكثيرة والمواكبة اليومية التي يستوجبها قطاع الصحة.
وبناء على ذلك، إذا كان القصر الملكي، في بلاغه، قد برر إبعاد الرميلي من وزارة الصحة بسبب الجمع بين أكثر من مسؤولية، فهذا يعني أن الوضع نفسه ينطبق، أيضا، على رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، الذي يجمع بين رئاسة الحكومة وعمودية مدينة أگادير.
أي أن بلاغ الديوان الملكي يقول، بصريح العبارة، لعزيز أخنوش، وحتى لفاطمة الزهراء المنصوري، التي تجمع بين وزارة السكنى وعمودية مدينة مراكش، ولغيرهما: “إياكم أعني واسمعي يا جارة”! خصوصا أن مهام رئاسة الحكومة هي أكبر بكثير من حقيبة وزارة الصحة، التي اعتبر الملك أن مواكبة مهامها اليومية ستؤثّر على مسؤولية العمودية، فأعفى نبيلة الرميلي، التي تقلدت منصب وزيرة الصحة، لمدة يوم واحد فقط، والتي يمكنها، بهذه المدة القصيرة جداً، أن تدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية.
ولهذا، يجب على أخنوش أن يقدّم استقالته من المجلس الجماعي لمدينة أگادير، وأن تختار المنصوري بين حقيبة وزارة السكنى أو عمودية مراكش.
كما أن عزيز أخنوش، برئاسته للحكومة المغربية، يمكنه بدوره دخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية بسبب إقحام الملك في كل خطاباته وخرجاته، منذ اليوم الأول الذي عينه الملك محمد السادس رئيسا للحكومة.
فإذا كان الإسلاميون متهمين باستعمال الدين في السياسة، فإن أخنوش عمد إلى نهج أسلوب آخر، وهو استعمال الملك في السياسة.
أخنوش أقحم الملك عشرات المرات في عرض برنامجه السياسي الذي ألقاه أمام البرلمان، الاثنين الماضي، إذ استعمل “الملك”، في تصريحٍ من 16 صفحة، أكثر من 36 مرة.
ناهيك عن البرنامج الحكومي، الذي يتكوّن من 79 صفحة، حتى أن عزيز أخنوش يجعل كلَّ من يقرأه يعتقد أنه أمام “الوصايا العشر”، وربما من كثرة ما عاشر قوم بنكيران، استنبط عرضه الحكومي هذا من سورة الرحمان، التي دُكِرت فيها آية “فبأي آلاء ربكما تكذبان” 31 مرة، وهو الشيء نفسه الذي يكتشفه كل من قرأ أو استمع لـ”التصريح الحكومي” لرئيس الحكومة، إذ سيجد أن أخنوش أقحم الملك محمد السادس أكثر من 36 مرة، من قبيل الصيغ التالية:
– أبانت بلادنا، تحت الریادة الملكیة السامیة..
– أعلن جلالة الملك التعبئة العامة..
– مشروع مستمد أساسا من الثوابت الدستوریة والتوجیھات الملكیة السامیة..
– تنفیذا للرؤیة المتبصرة لصاحب الجلالة..
– تحت القیادة الدبلوماسیة السدیدة لصاحب الجلالة..
– ستسیر الحكومة على النھج الملكي القویم..
– تلتزم الحكومة بالتجنّد وراء جلالة الملك..
– لقد نھج جلالة الملك سیاسة انفتاح..
– یقودھا ویرعاھا جلالة الملك محمد السادس..
– الحكومة معتزة بثقة ودعم جلالة الملك..
– التوجیھات المولویة النیرة.. إلخ…
على السي عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، أن يعلم أن الملك لا يضع الثقة في الحكومة بمجرد تعيينها، بل الثقة تنالها الحكومة من عرض برنامجها أمام البرلمان بغرفتيه والتصويت عليه بالأغلبية طبقًا للفصل 88 من الدستور المغربي.
كما أن الملك محمد السادس، في خطاب افتتاح البرلمان، قدّم حصيلة مدقّقة وبالأرقام في سابقة من نوعها، ليُشهد ممثلي الأمة ومعهم الشعب المغربي أن الملك، الذي دبر مرحلة جائحة كوفيد-19، قد سلم لأخنوش مغربا في وضعية اقتصادية مريحة.
وهكذا قال الملك محمد السادس، في خطابه، أن هناك انتعاشا ملموسا للاقتصاد الوطني، وأن نسبة النمو المتوقّعة سنة 2021، ستفوق 5.5 في المائة، وأن النمو المتوقّع للقطاع الفلاحي، يُنتظر أن يفوق 17 في المائة،
وأن هناك ارتفاعا ملحوظا في الصادرات المغربية، وفي عدد من القطاعات، كصناعة السيارات، والنسيج، والصناعات الإلكترونية والكهربائية، إضافة إلى ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بما يقارب 16 في المائة؛ وأن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج في زيادة بحوالي 46 في المائة، إلى غاية شهر غشت الماضي، وقد تمكّن المغرب من التوفر على احتياطات مريحة، من العملة الصعبة، تمثل سبعة أشهر من الواردات، كما تم التحكّم في نسبة التضخم، في حدود 1 في المائة، بعيدا عن النسب المرتفعة لعدد من اقتصادات المنطقة…
والخلاصة، أن الملك قدّم لأخنوش مغربا منتعشا في 2021، مع فرص وافرة لمواصلة ومضاعفة الانتعاش في 2021…
في المقابل، نجد أن رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، وهو يلقي تصريحه الحكومي، كل ما قدّمه هو برنامج فضفاض، دون التزامات مرقمة ودون جدولة زمنية محددة للتنفيذ، باستثناء بعض المحاور، التي قدّم فيها بعض الأرقام، قبل أن يكتشف برلمانيو المعارضة، بدءا من شهيد إلى بوانو ومنيب، بل وحتى برلمانيو الأغلبية، مثلما فعل الاستقلالي مضيان، أنها متناقضة ومفكّكة، ومليئة بالتراجعات، بدءا من نسبة النمو، التي تكلم فيها عن 4 في المائة بدل 5,5 التي تكلم عنها الملك محمد السادس.
كما اكتشفت المعارضة أن الزيادة الموعودة في أجور هيئة التعليم ليست سوى مناورة لدفع الأساتذة للتصويت على حزبه في الانتخابات.
فمبلغ الزيادة الذي أقام به أخنوش الدنيا ولم يُقعدها حتى حصل على الأغلبية التي مكّنته من تقلد رئاسة الحكومة قال عنه، في عرض برنامجه الحكومي، أن حكومته ستحدث كلية لتكوین الأساتذة، وبعد التخرج، ربما سنتين أو ثلاثة من بعد، ستبدأ الحكومة في الرفع التدريجي لأجور المتخرجين فقط!
أمّا ملف الاقتصاد الاجتماعي، فإن عزيز أخنوش، الذي سبق أن انتزع صندوق التنمية من عبد الإله بنكيران، في إطار الفصل 30 من قانون المالية لسنة 2015، الذي صنعه محمد بوسعيد ليجعل من وزير الفلاحة آمرا بالصرف بدلا من رئيس الحكومة آنذاك، فقد تبيّن أنه عديم الأثر، إلا بأثر واحد هو استقطاب كتلة الفلاحين للتصويت لفائدته.
وأما الضرائب، التي طلب أخنوش من المغاربة أدائها، خلال رده على منتقدي برنامجه الحكومي، فيجب، أولا، أن يقدم مشروع قانون لفرض الضريبة على الثروة، وأن ينفّذ توصيات مجلس المنافسة بخصوص ملف شركات المحروقات و1700 مليار المنهوبة، وأن يُخرج قانون الإثراء غير المشروع من الرفوف إلى حيز الوجود، وأن يحرّك الدعاوى ضد ناهبي المال العام، إلى غير ذلك مما يمكنه به تنفيذ بعضٍ من الوعود الانتخابية لفائدة المواطنين، وليس تهديدهم بـ”إعادة التربية” ليفرض عليهم “بصرامة” أداء الضرائب!
أما مالية الدولة الحالية، فلن تستطيع سوى تغطية المشاريع الملكية الكبرى، التي التزمت بها الحكومات السابقة، وما تبقّى سيساعد في تنزيل النموذج التنموي الملكي.
وفي أنتظار ذلك “حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا” على حد قول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه..
ولرئيس الحكومة المحترم واسع النظر…