تعتبر السلامة الصحية في المصانع، من المجالات التي تحظى باهتمام بالغ في المغرب، إذ تسعى الدولة إلى ضمان حماية العمال وصحتهم من خلال قوانين وتشريعات تهدف إلى خلق بيئة عمل آمنة ومنظمة. تنبع هذه الجهود من الإدراك بأهمية توفير شروط العمل المناسبة لتحقيق الإنتاجية والحفاظ على رفاهية العاملين. يتأطر هذا الجانب في إطار تشريعي يهدف إلى حماية الأفراد والمجتمع والبيئة، ويشكل احترام هذه القوانين التزاما قانونيا يقع على عاتق الشركات والمؤسسات.
بدايةً، يُعتبر قانون الشغل المغربي، الصادر بموجب ظهير 11 شتنبر 2003، الإطار القانوني الرئيسي الذي ينظم العلاقات بين العمال وأرباب العمل، بما في ذلك الجوانب المتعلقة بالصحة والسلامة في بيئة العمل. ينص هذا القانون على ضرورة احترام قواعد السلامة والصحة المهنية، ويُلزم أرباب العمل بتوفير بيئة عمل آمنة وخالية من المخاطر. حسب المادة 281 من هذا القانون، يجب على أرباب العمل اتخاذ جميع التدابير الوقائية الضرورية لضمان حماية العمال من الحوادث والأمراض المهنية التي قد تنجم عن نشاطات المصنع. ويشمل ذلك توفير ملابس وأدوات الحماية الشخصية للعمال، والقيام بفحصات دورية لأماكن العمل للتحقق من مدى سلامتها.
كما تنص المواد 281 إلى 292 من نفس القانون على أنه يجب على المؤسسات التي تشغل عددا معينا من العمال (يفوق 50 عاملاً) إحداث لجنة السلامة والصحة، والتي تتمثل مهمتها في مراقبة مدى احترام التدابير الوقائية وتنفيذ الإجراءات المتفق عليها لضمان سلامة العمال. هذه اللجنة تتكون من ممثلين عن العمال وعن الإدارة، وهي تهدف إلى تعزيز الحوار بين الطرفين فيما يتعلق بجميع المسائل المرتبطة بالصحة والسلامة المهنية.
من بين القوانين الهامة الأخرى التي تعزز هذا الجانب، نجد القانون رقم 18-12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل. هذا القانون، الذي تم تفعيله في 2014، يعزز من حقوق العمال المتضررين جراء حوادث العمل، حيث ينظم كيفية التعويض والإجراءات التي يجب اتباعها لضمان حصول العامل أو أسرته على حقوقهم كاملة في حالة تعرضهم لحادث مهني.
بالإضافة إلى ذلك، يُلزم القانون 65-99 المتعلق بمدونة الشغل أرباب العمل بتقديم التكوين المستمر للعمال حول مخاطر العمل وطرق الوقاية منها. هذا التكوين يعتبر ضروريًا لرفع وعي العمال حول المخاطر التي قد يتعرضون لها أثناء أداء مهامهم وكيفية التصرف في حالة وقوع حادث.
فيما يتعلق بالتشريعات البيئية المرتبطة بالمصانع، يأتي القانون رقم 12-03 المتعلق بدراسات التأثير على البيئة كأحد القوانين الأساسية. ينص هذا القانون على ضرورة إجراء دراسة للأثر البيئي قبل إقامة أي مشروع صناعي أو توسيعه. هذه الدراسة تهدف إلى تقييم مدى تأثير المشروع على البيئة المحيطة، بما في ذلك المياه، الهواء، والتربة، وذلك لضمان حماية البيئة من التلوث الذي قد ينجم عن النشاط الصناعي. وتُلزم الدولة أرباب المصانع باتخاذ التدابير اللازمة للحد من أي أضرار بيئية محتملة من خلال تطبيق إجراءات التحكم في الانبعاثات ومعالجة النفايات الصناعية.
بالإضافة إلى القانون 12-03، نجد القانون رقم 28-00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها، الذي صدر في عام 2006. ينظم هذا القانون طرق إدارة النفايات الصناعية وضمان التخلص منها بطرق لا تشكل خطراً على الصحة العامة أو البيئة. يُلزم هذا القانون المصانع باتباع معايير دقيقة في جمع ومعالجة النفايات، بما في ذلك إنشاء محطات خاصة لمعالجة النفايات الخطرة التي قد تنتج عن بعض الصناعات، مثل الصناعات الكيماوية.
إلى جانب هذه القوانين، يعتبر المرسوم رقم 2.12.618، المتعلق بتنظيم التفتيش في ميدان الشغل، أداةً أخرى لمراقبة مدى احترام المؤسسات الصناعية لمعايير الصحة والسلامة. يمنح هذا المرسوم مفتشي الشغل صلاحيات واسعة لزيارة المصانع وتفقدها، والتأكد من التزامها بالقوانين والإجراءات الوقائية اللازمة لحماية العمال والبيئة. ينظم القانون رقم 13-03 المتعلق بمكافحة التلوث الجوي سبل حماية جودة الهواء في المناطق الصناعية. يُلزم هذا القانون المصانع باتخاذ التدابير اللازمة للحد من انبعاث الغازات الضارة، ويضع معايير صارمة لمستويات التلوث المسموح بها. كما يفرض على المصانع التي تتسبب في انبعاثات كبيرة إجراء قياسات دورية لهذه الانبعاثات، وإعداد تقارير تقدم للجهات المعنية. يمكن القول إن المغرب وضع إطاراً قانونياً محكماً يسعى إلى حماية العمال وضمان بيئة عمل آمنة ونظيفة، سواء من خلال القوانين المتعلقة بالسلامة والصحة المهنية أو تلك المرتبطة بحماية البيئة. يتطلب الأمر التزاماً مستمراً من أرباب العمل بتطبيق هذه القوانين بشكل صارم، كما يعتمد نجاح هذه المنظومة على وجود رقابة فعالة تضمن احترامها، سواء من خلال التفتيشات الدورية التي يقوم بها مفتشو الشغل، أو من خلال العقوبات التي تفرض على المخالفين.