لم يكتمل العقد الأول من حصول المغرب على استقلاله، حتى اهتز المغاربة على وقع انتفاضة تلاميذية في 23 مارس من سنة 1965، ما استدعى تدخل الجيش واستعمال الرصاص الحي لقمع المتظاهرين ما خلف العديد من القتلى والجرحى.
قبل الأحداث
شهد المغرب مباشرة بعد استقلاله العديد من الأحداث التي أُثرت على المشهد السياسي في البلاد، الذي كان يغلب عليه آنذاك الخلاف بين القصر الملكي والحركة الوطنية، خصوصا بعد إسقاط الحسن الثاني لحكومة عبد الله إبراهيم التي كان محمد الخامس قد عينها لتشكل حلا وسطا بينه وبين المعارضة.
وتتالت الأحداث بعد ذلك، فقررت المعارضة مقاطعة التصويت على دستور سنة 1962، ثم تقديمها سنة 1964 لما يعرف بملتمس الرقابة لأول مرة في تاريخ المغرب، من أجل إسقاط حكومة باحنيني التي كانت مشكلة من أحزاب موالية للقصر.
وكان لنقابة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب دور بارز في أحداث الثالث والعشرين من مارس سنة 1965، فقبل هذا التاريخ وبأقل من سنتين، عقدت النقابة الطلابية مؤتمرا (غشت 1963)، دعت فيه صراحة إلى إسقاط نظام الحسن الثاني، وخلصت المنظمة إلى أنه:
“اليوم، وبعد التجارب التي شهدها بلدنا والتي كانت مطبوعة بأحداث هامة من قبيل المعركة ضد الدستور الملكي، والقمع المعمم في القرى ضد كل قوى المعارضة، والضربة الموجهة للحزب التقدمي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بات وجود النظام في حد ذاته هو العقبة في وجه تحقيق تطلعات الجماهير الشعبية وفي وجه أي إمكانية للتقدم (…) يعلن المؤتمر الثامن للاتحاد الوطني لطلبة المغرب أن إلغاء النظام، هو الشرط المسبق لإخراج البلد من الأزمة المفتوحة أو الكامنة التي يتخبط فيها باستمرار منذ الاستقلال، في الواقع يتجلى الوجه الحقيقي للنظام الملكي المغربي في السلوك اللاوطني لأقلية إقطاعية تغتصب السلطة وتدافع عن المواقف الاستراتيجية للاستعمار الجديد في هذه الشروط، فإن المؤتمر الثامن للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وعيا بالمسؤوليات التي تقع على كاهل الطلبة في الطور التاريخي الجديد الذي يدخله نضال شعبنا، يعلن أن الطلبة المغاربة سيوجهون جهودهم نحو تحقيق الهدف الأساسي لشعبنا : سقوط النظام الحالي وتسلم السلطة من طرف المنظمات الشعبية والثورية والديمقراطية، الممثل الشرعي لشعبنا”.
وكان نشاط النقابة الطلابية قد امتد إلى الثانويات وتنامت نضالية شباب المدارس، فاستشعر النظام المغربي الخطر، وصدر ظهير في 21 يونيو 1963 يمنع على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب تنظيم التلاميذ.
عندما سال الدم أنهارا
شكل يوم 19 فبراير من سنة 1965 البداية المباشرة للأحداث الدموية، حيث أصدر في هذا اليوم وزير التربية الوطنية يوسف بلعباس، مذكرة وزارية تقضي بمنع التلاميذ الذين تجاوز سنهم 16 عاما في السنة الرابعة اعدادي من الانتقال الى الأقسام الثانوية، وجاء في المذكرة:
“من الضروري ألا يتوجه إلى السنة الرابعة من الثانوي سوى التلاميذ القادرين على متابعة الدراسة في إحدى الشعب المتخصصة من السلك الثاني، وأنه يمكن أن يتوجه الى السنة الرابعة من الثانوي التلاميذ المزدادون عام 1948 وتبلغ أعمارهم 16 سنة أو أكثر فلا يمكنهم ولوج السلك الثاني من الثانوي والوصول الى الباكالوريا”
وأثار هذا القرار حفيظة التلاميذ الذين اعتبروه مجحفا في حقهم، ورأوا أنه يسعى لحرمان جزء كبير منهم من استكمال مسيرتهم الدراسية.
وفي يوم الإثنين 22 مارس من سنة 1965 تظاهر تلاميذ 13 ثانوية بالدار البيضاء، لكن السلطات قابلت هذه المظاهرات بموجة كبيرة من الاعتقالات.
وفي يوم 23 مارس من سنة 1965 تجمع التلاميذ وانطلقوا في مظاهرة حاشدة صوب درب السلطان معقل الطبقة العاملة آنذاك حيث انضم إلى المظاهرة آلاف العمال والمعطلين…، ثم اتجهوا بعد ذلك إلى باب مراكش وبعده إلى المدينة القديمة…
لكن لم يكتب لذلك اليوم أن يمر من دون دماء، ففي حدود الساعة الثالثة زوالا تلقى الجيش أوامر لإطلاق النار على المتظاهرين وبدأ البعض منهم يتساقط على الأرض من دون حراك، وهم في ريعان شبابهم، وتتضارب الأرقام بخصوص أعداد القتلى في هذه الأحداث، غير أنها تجمع كلها على أن عددهم بالعشرات.
لم تقتصر المظاهرات على مدينة البيضاء، ففي نفس اليوم أعلن عن إضراب عام بمدينة فاس من لدن رجال التعليم. وبعد يومين من ذلك قاد معهد شراردة وثانويات مولاي إدريس ومولاي رشيد ومعهد الفتيات بفاس إضرابا احتجاجا على سياسة الحكومة في التعليم، فحاصرت الشرطة المتظاهرين، واعتقل المئات من التلاميذ وقدموا إلى المحاكمة.
الحسن الثاني وأحداث 23 مارس
أصدرت وزارة الأنباء والسياحة والفنون الجميلة والصناعة التقليدية بلاغا بعد الأحداث الأليمة قالت فيه “إن بعض المعلمين المنتمين لبعض التنظيمات السياسية والنقابية قد تقدموا لتحريض تلاميذ المدارس الثانوية على القيام بمظاهرات تكتسي صبغة العنف والتخريب، وأن التلاميذ توجهوا نحو الشوارع الرئيسية بالمدينة، ولوحظ أن عناصر لا تمت إلى هذه المدارس بصلة وتجاوزت سنين الدراسة قد أعدت سلفا للانضمام إلى المظاهرات وقيادتها”.
وفي خطاب للحسن الثاني يوم 26 مارس من سنة 1965، حمل مسؤولية ما حدث أيضا لرجال التعليم وقال:
” أتوجه إلى الأساتذة وأقول لهم إنه من عادة الرجال وعادة المثقفين بالخصوص أن تكون لهم الشجاعة الكافية للتعبير عن أفكارهم، لا أن يستغلوا التلاميذ، ولا أن يتستروا وراء الأطفال” واختتم كلامه بتحذير شديد اللهجة لرجال التعليم واصفا إياهم بأشباه المثقفين وقال “أقول لكم انه لا خطر على أي دولة من الشبيه بالمثقف، وأنتم أشباه المثقفين ..وليتكم كنتم جهالا”.
ما بعد الأحداث
هذه الأحداث وجدت لها صدى في البرلمان المغربي، حيث طالب حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، لكن الدولة رفضت السماح لها بالانتقال إلى الأماكن التي شهدت مواجهات عنيفة.
وبعد ثلاثة أشهر من هذه الأحداث، وبالضبط في السابع من يونيو من سنة 1965، أعلن الحسن الثاني وللمرة الأولى في تاريخ المغرب حالة الاستثناء، وحل البرلمان، وتعطلت الحياة السياسة بذلك في البلاد.
وأجمعت الكثير من الهيئات السياسية المغربية على رفض حالة الاستثناء، خصوصا وأن الدستور لم يحدد مدة حالة الاستثناء، ما جعلها تستمر لسنوات، وعرفت هذه المدة أكثر من محاولة انقلابية على الحسن الثاني.