تتسع الهوة السياسية بين المغرب وفرنسا وتجرّ ورائها فصولا من التباعد الاقتصادي الذي دشنته الرباط منذ مدة ليست بالقصيرة في البحث عن حلفاء جدد بعيدا عن الرقعة الكلاسيكية التي تحكمها خيوط الاصطفافات العمياء في زمن التوترات السياسية والحسابات الجيواستراتيجية.
باريس التي تُفاخر بتبعية دول شمال القارة الإفريقية لها خاصة المغرب والجزائر وتونس من الناحية الاقتصادية وما يعنيه ذلك من تأثير مباشر على قرارها السياسي. إذ تُعتبر فرنسا طيلة عشرات السنين قد تمكنت من تثبيت أذرعها الاقتصادية المؤسساتية بالمغرب من خلال الاستحواذ على العديد من المؤسسات الصناعية والخدماتية، مستفيدة من اعتبارها الشريك الاقتصادي الأول للمغرب، الأمر الذي رسخ لثقافة “فرنسة” العديد من القطاعات الاستثمارية في المجال المالي ومجال التأمين والصناعات الغذائية وغيرها.
معطى أخذ يتفكك شيئا فشيئا بالنظر إلى سعي المغرب إلى نزع عباءة السيطرة الفرنسية على مفاصل الاقتصاد الوطني، عبر إبعاد المؤسسات الفرنسية عن المؤسسات العمومية وشبه العمومية المغربية. ويبدو هذا التوجه حاضرا في المجال البنكي، وتحديدا من خلال تخلص مصرف المغرب، الذي كان فرعا للقرض الفلاحي الفرنسي Credit Agricole، من التبعية للمؤسسات المالية البارسية، إثر دخول مجموعة “هولماركوم” المغربية على الخط، والتي استحوذت على أكثر من ثلاثة أرباع أسهم المؤسسة الأمر الذي تم في أبريل من العام الجاري.
ويتعلق الأمر كذلك بمجال التأمين، ففي أواخر شهر أبريل الماضي أكلنت مجموعة “إيكسباندو” القابضة، عن استحواذها على 80 في المائة من شركة “آكسا أسيستنس المغرب”، وهو ما لا يعني انتهاء هيمنة الشركة الفرنسية بالمغرب فقط، بل بكامل القارة الإفريقية ، إلى جانب مجال تدبير قطاع الماء والكهرباء والتطهير السائل، والذي كانت قد وصلت إليه عبر عقود التدبير المفوض التي مكنتها من الظفر بصفقات استراتيجية بالمدن الكبرى، وخصوصا الدار البيضاء والرباط وسلا وطنجة وتطوان، لكن يبدو أن هذا الأمر آخذ في التراجع لصالح المؤسسات المغربية.
ووفق الباحث المغربي في العلاقات الدولية نبيل العشير أن العلاقات المغربية الفرنسية عرفت تذبذبا ومدا وجزرا وأكثر من توتر منذ وصول (الرئيس الفرنسي) إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه سنة 2017، وبعض التوتر الدبلوماسي الذي يطفو على السطح على غرار رفض منح تأشيرات للمغاربة إلى فرنسا هو أحد هذه التوترات التي يمكن تجاوزها بالحوار والوضوح بين الطرفين، لكنه وفق المتحدث يخفي غابة من التوتر الاقتصادي.
واعتبر أن الأزمة الصامتة في علاقات باريس والرباط تجد بين البلدين أساسها اقتصادي بالدرجة الأولى، خاصة بعد تراجع ترتيب فرنسا وتقدم إسبانيا على مستوى التبادلات التجارية والعلاقات الاقتصادية بين المغرب وفرنسا، وهنا يبرز المتحدث المحاولات المغربية لتجاوز الوجود الفرنسي الاقتصادي على أراضيه.
وبات المغرب منافسا حقيقيا للشركات الفرنسية في القارة الإفريقية، وهو ما يعمق هذا التوتر ذي الجذور الاقتصادية، إذ يلاحظ تراجع الاستثمارات الفرنسية في المغرب، وهو بالمناسبة أحد مؤشرات هذه الأزمة ذات العمق الاقتصادي، وما التوجه لمنح صفقة القطار الفائق السرعة بين (مدينتي) الدار البيضاء وأكادير للصين بدل فرنسا، إلا أحد هذه التداعيات. يضيف المتحدث في تصريح إعلامي .
وقال الباحث في العلاقات الدولية إن هناك ترابط كبير بين البلدين وهناك من يتحدث عن ارتهان مغربي اقتصادي وتجاري لفرنسا، وفي كثير من الأحيان كانت باريس هي الممون والزبون الأول للمغرب وأكبر المستثمرين، وكان من الصعب على المغرب التحرر من ارتهانه لها، لكن اليوم يبدو أن الأمر أصبح مختلفا.