العلاقات المغربية الفرنسية تخفي وراءها توترا صامتا ؟

هيئة التحرير4 سبتمبر 2022آخر تحديث :
العلاقات المغربية الفرنسية تخفي وراءها توترا صامتا ؟

بقلم : أحمدو بنمبا

تعرف العلاقات المغربية الفرنسية صعودا وهبوطا لكن عوامل العلاقات التاريخية تحكم على البلدين بتطويق الخلافات في حدود تجعل السيطرة عليها ممكنة ، ومهما بلغ الخلاف بينهما وخصوصا حول العلاقات والأهداف المشتركة ، فالمصالح الاقتصادية والاجتماعية تظل عاملا مؤثرا في التقارب بين البلدين ، حيث شهدت العلاقات المغربية الفرنسية في الفترة الأخيرة سخونة تُخفِي تحت وهج نيرانها الكثير من المِلَفَّات العالقة بين البلدين ، والتي إلى الآن لم تجد طريقًا سالكة إلى الحل النهائي الذي يغلق باب التوتر ؛ ولعلَّ الموقف الفرنسي من مسألة الصحراء المغربية يعدُّ أحد أبرز دوائر العلاقات المعقدة بين المغرب وفرنسا ، الموقف الذي يعتبر شديد الحساسية السياسية بالنسبة للمغرب ، هذا فضلًا عن تباين وجهات النظر حول العلاقات الاستراتيجية بين المغرب والجزائر ، والتي كثيرًا ما ألقت بظلالها على تعقيدات العلاقات المغربية الفرنسية ، فكل هذه العوامل جعلت من بِنْية العلاقات بين البلدين بنية معقدة غير مستقرة الطبيعة، تتجاذبها أمواج القطيعة تارةً، وأمواج الوئام تارة أخرى.

رغم أن التوتُّر الضمني الذي ظل سيِّد الموقف في العلاقات المغربية/الفرنسية في الفترة الأخيرة، إلا أنَّ عوامل كثيرة تفرض على صانعي القرار في البلدين السير في مسار تعاوني جاد ؛ إذ إن العلاقات التاريخية بين البلدين لا يمكن اختزالها في مراحل آنيَّة، فهي علاقات تفرض حتمية التواصل ، وبالحسابات الاقتصادية البحتة لا يمكن أن يستغني أيٌّ من البلدين عن مصالحه الاقتصادية المرتبطة بالجانب الآخر بحكم إكراهات السياسة ؛ ونظرًا لحجم الخسارة في حالة تبنِّي خيار القطيعة.

وبالرجوع إلى تاريخ العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، والتي شهدت مراحل مدٍّ وجزر، يمكننا أن نستشرف حتمية السير بمحاذاة طريق التعاون الثنائي، دون نفي إمكانية حصول توترات ظرفيَّة متعلقة بملفات مشتركة بين البلدين، وليس ملف الصحراء المغربية لوحده وتوجه الرئيس الفرنسي نحو الجزائر ، إضافة إلى مشكل التأشيرات ، الذي كان من بين عناوين التوتر الملاحظ ، والذي ليس إلا نقطة حبر من سجل المسائل الخلافية التي وفَّرت لها الظروف السياسية الحالية الطريق للخروج إلى العلن.

إن الكثير من المسائل الخلافية بين البلدين لا ترجع إلى حيثيات وتفاصيل كل ملف فقط، بل في جانب كبير منها غير ظاهر للعيان إلى طبيعة الاختلاف الجوهري بين التوجهات الإستراتيجية للبلدين ؛ وأنماط اتخاذ القرار يجعلان من هذا العامل أحد أهم العوامل المسببة للاختلاف بينهما ؛ حيث تتمركز جُلُّ المسائل الخلافية بين البلدين في الشق السياسي وخصوصًا حول مسألة الصحراء المغربية والموقف الفرنسي منها ؛ ذلك أن هذا الموقف ظل يشكِّل رافدًا يلقي بظلاله ولمدة عقود طويلة على عاتق المسؤولين الفرنسيين ، فمراوحة موقف الحياد من الموضوع ليس بالأمر السهل في منطقة تتداخل فيها كل الملفات بعضها مع بعض ، إذ يعتبر هذا الموقف مهمًّا بالنسبة للمغرب، فأيُّ ميل لفرنسا قد يشكِّل حالة سياسية في المنطقة غير محسومة العواقب .

إنَّ عملية استشراف ما يمكن أن يحصل اعتمادًا على كل العوامل التي ذكرناها في هذه المقالة، تجعل من المرجح بشكل كبير عودة العلاقات بين البلدين إلى مجاريها، و تطويق الخلافات في حدود تجعل من الممكن السيطرة عليها ، وعلى ذلك تصبح حدود الحركة والمناورة بالنسبة للمغرب مرسومة الملامح وواضحة الحدود ، بحيث تجعل من الضغط الاقتصادي ورقة خطرة لا يمكن استخدامها بشكل شامل وكامل إلا في حدودها الدنيا حتى لا تبدأ الآثار الرجعية في الارتداد عليها وتوصل الأمور إلى القطيعة الشاملة ، كمثل أن يوقف المغرب تصدير المنتوجات الزراعية والبحرية و كابلات الكهرباء والسيارات السياحية وأجزاء الطائرات والملابس .. لفترة محدودة ومدروسة أو يبحث المغرب عن أسواق دولية جديدة من قبيل أمريكا والصين وتغلقها في وجه فرنسا .. ليبقى حدود حركتها في حالات التوتر في الجانب الاقتصادي ضيقة جدًّا ، وفي المقابل يبقى الجانب السياسي لها فيه هامش مناورة كبير لتضييق الخناق على المغرب و اللعب على الحبلين في القضايا الإقليمية والعزف على وتر التقارب الحاصل بين المغرب وأمريكا ، وجعله مرجعا أساسيا للعلاقات المستقبلية بين البلدين : المغرب / فرنسا ؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة