بدر شاشا
يُعد المغرب بلداً ذا تاريخ ثقافي وحضاري عريق، حيث تتميز هويته بالتعدد اللغوي الذي يشمل العربية، الأمازيغية، والفرنسية. إلا أن هيمنة اللغة الفرنسية على الإدارات المغربية تُثير تساؤلات جدية حول مكانة اللغة العربية، خاصة في ظل تأكيد الخطابات الملكية على ضرورة تعزيز حضور اللغة العربية في الحياة العامة ومؤسسات الدولة. هذه الهيمنة لا تقتصر فقط على الجانب الإداري، بل تمتد إلى التعليم، الاقتصاد، والتواصل الرسمي، مما يُعقّد عملية تعزيز السيادة اللغوية والثقافية للبلاد.
اللغة العربية: رمز السيادة الثقافية والدستورية
بحسب الدستور المغربي، تُعتبر اللغة العربية اللغة الرسمية للبلاد إلى جانب الأمازيغية، ما يمنحها مكانة خاصة في التشريعات والقرارات الإدارية. كما أكّد جلالة الملك محمد السادس في العديد من خطاباته على أهمية الحفاظ على اللغة العربية وتعزيز استخدامها في الإدارات والمؤسسات باعتبارها رمزاً للسيادة الثقافية والوطنية. إلا أن الواقع يعكس تحديات كبيرة، حيث تُسيطر اللغة الفرنسية بشكل شبه كامل على معظم الوثائق الرسمية، المراسلات، والتواصل الإداري.
استمرار الهيمنة الفرنسية في الإدارات
اللغة الفرنسية، التي جاءت مع الحقبة الاستعمارية، ما زالت تحتفظ بمكانة قوية في الإدارات المغربية. يُستخدم الفرنسي في معظم المعاملات الرسمية مثل المراسلات الإدارية، التوقيعات، وحتى النصوص القانونية. هذا الوضع يُؤدي إلى تهميش كبير للغة العربية ويُضعف قدرتها على أداء دورها كأداة تواصل وإدارة في مؤسسات الدولة.تتجلى هذه الهيمنة أيضاً في المجال الاقتصادي، حيث تُعتبر اللغة الفرنسية لغة الأعمال والبنوك والمؤسسات الكبرى. كما أنها اللغة الرئيسية للتعليم العالي، خاصة في التخصصات العلمية والتقنية، ما يُكرّس دورها ويُضعف حضور اللغة العربية في الحياة اليومية للمغاربة.
الآثار السلبية لهيمنة الفرنسية
. تراجع مكانة اللغة العربية: يُؤدي استخدام الفرنسية في الإدارات إلى تهميش العربية، ما يجعلها تبدو أقل أهمية رغم كونها لغة رسمية ودينية للدولة.
. عقبات أمام المواطنين: يجد العديد من المغاربة الذين لا يجيدون الفرنسية صعوبة في التعامل مع الإدارات، ما يُسهم في تعقيد حصولهم على الخدمات الأساسية.
. اختلال الهوية الثقافية: تُضعف الهيمنة الفرنسية الشعور بالانتماء الثقافي للغة العربية، وهو ما يُهدد الهوية الوطنية.
. إقصاء الأمازيغية: إضافة إلى العربية، تُعاني الأمازيغية أيضاً من غياب التفعيل الحقيقي في الإدارات، ما يزيد من تعقيد المشهد اللغوي بالمغرب.
للخروج من هذا الوضع وضمان مكانة متقدمة للغة العربية في الإدارات المغربية، يجب اتخاذ مجموعة من التدابير الفعّالة، منها:إلزامية استخدام العربية: ضرورة فرض استخدام اللغة العربية في جميع المعاملات الإدارية، بما في ذلك المراسلات الرسمية والتقارير.
تكوين الكوادر الإدارية: تنظيم دورات تدريبية للموظفين لتأهيلهم على استخدام اللغة العربية في مهامهم اليومية.تعريب المناهج الدراسية: العمل على تعريب التعليم العالي خاصة في المجالات العلمية والتقنية، لتكوين أجيال متمكنة من اللغة العربية.تشجيع البحث العلمي بالعربية: تحفيز الباحثين والجامعات على نشر أبحاثهم باللغة العربية لتعزيز استخدامها في المجالات الأكاديمية.التوعية بأهمية اللغة: تنظيم حملات توعية تُبرز أهمية اللغة العربية كعنصر أساسي في الهوية الوطنية والثقافة المغربية.اللغة العربية بين الخطاب والتنفيذ
رغم الخطابات الرسمية الداعية إلى تعزيز اللغة العربية، يبقى التطبيق على أرض الواقع ضعيفاً. يعود ذلك إلى عوامل متعددة، منها استمرار الاعتماد على اللغة الفرنسية في العديد من القطاعات، ونقص الإرادة السياسية لتنفيذ سياسات لغوية فعالة. لتحقيق التغيير المنشود، لا بد من ترجمة هذه الخطابات إلى قرارات حاسمة، تُلزم جميع الإدارات والمؤسسات باحترام الدستور وتفعيل استخدام اللغة العربية.إن استمرار هيمنة اللغة الفرنسية على الإدارات المغربية يُمثل تحدياً أمام السيادة الثقافية واللغوية للبلاد. وفي ظل التأكيد المستمر من جلالة الملك على أهمية اللغة العربية، يجب أن تتضافر الجهود لتحقيق تحول حقيقي يضع اللغة العربية في مكانتها المستحقة. إن تعزيز استخدام العربية في الإدارات والتعليم يُعد خطوة أساسية للحفاظ على الهوية الوطنية وضمان العدالة اللغوية لجميع المغاربة، وهو ما يتطلب رؤية شاملة وإرادة صادقة لترسيخ هذه اللغة في جميع مناحي الحياة.