تشكل هجرة العقول والكفاءات العربية معضلة مزمنة يعاني منها الوطن العربي ، وتعني هجرة الأدمغة او استنزاف العقول « Brain drain» هوانتقال الموارد البشرية التي تمتلك المعرفة والمهارات التقنية من بلادها الأصلية النامية إلى البلدان المتقدمة، بسبب ما تواجهه هذه الموارد البشرية من صعوبات في بلادها الأصلية مثل الحروب، أو عدم الاستقرار السياسي، أو البطالة، أو قلة فرص التقدم الوظيفي، أو ندرة مجالات البحث العلمي، أو المخاطر الصحية، وغير ذلك. وهذه الظاهرة تكلف الدول العربية حوالي 200 مليار دولار سنوياً ،حيث أن الوطن العربى يساهم في ثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية وتأتي في مقدمتها الكفاءات الطبية يليها المهندسون .. والذين يختارون الهجرة إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا ، ما يجعل البلدان العربية في نزيف متواصل جراء هجرة العقول .
اسباب الهجرة من الوطن
لقد نوقشت هجرة العقول والكفاءات العربية مرارا واسبابها واضحة ومتشابكة وهي معضلة مزمنة يعاني منها الوطن العربي، والعوامل الاقتصادية والأمنية والسياسية كانت ولا تزال، تحتل الأولوية في التأثير المباشر على هجرة الكفاءات العربية ، فمن بين الأسباب المعروفة هو :
✓ عدم توفير الظروف المادية والاجتماعية التي تؤمن المستوى المناسب لهم للعيش في المجتمعات العربية.
✓ البيروقراطية والفساد الإداري وتضييق الحريات على العـقول العلمية المبدعة.
✓ عدم الاستقرار السياسي أو الاجتماعي، وتهميش الباحث من قبل القيادات العلمية والسياسية والتي تؤدي إلى شعور بعض أصحاب الخبرات بالغربة في أوطانهم ، أو تضطرهم إلى الهجرة سعياً وراء ظروف اكثر حرية واكثر استقراراً ، فالبلدان العربية فيه من الخيرات و الثروات بكل أنواعها ما يكفي ويزيد عن حاجة مواطنينا ، وأن البطالة ناتجة عن سوء تخطيط ، وسوء استثمار ، وليس عن نقص في مجالات العمل ورؤوس الأموال.
✓ حالة الركود في تطور القوى المنتجة وحرمان سكان المجتمع من أبسط الخدمات الإنسانية ، كتوفير مياه الشرب والكهرباء والرعاية الصحية ، وبرزت هذه الحالة في الدول العربية الفقيرة (غير النفطية ) بصورة خاصة.
✓ وسائل الإتصالات الحديثة فتحت أفاقا جديدة للشباب وأصبح الشاب العربي مطلعا على الفرص الموجودة أمامه في العالم وما يوفره له وطنه.
✓ عدم احترام الأنظمة العربية الحاكمة لحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية في البلدان الغنية والفقيرة ، بخلاف الدول الغربية التي تدفع تعويضا في حالة البطالة لحين أن توجد له عملاً أو تدربه للقيام بعمل آخر.
تنصّ المادة 23 من (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) الذي صادقت عليه معظم البلدان العربية، على ما يلي:
لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مُرضية، كما أن له حق الحماية من البطالة.
لكل فرد يقوم بعمل الحق في أجر عادل مرضٍ، يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان
ينصّ (الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان) في مادته 13:
العمل حق تكفله الدولة لكل قادر عليه
للإنسان حرية اختيار العمل اللائق به
للعامل حقه في الأمن والسلامة وفي الضمانات الاجتماعية الأخرى كافة.
العوامل المغرية من الدول المتقدمة المؤدية لهجرة العقول العربية :
تعتبر ( المعرفة العلمية ) في دول العالم المتقدم كثروة وقوة ، وحددت أسس التعامل معها بقوانين شاملة في إدارتها وتمويلها وخضعت لإجراءات صارمة لحقوق الملكية ، رغم وقوف الدول الغربية ضد هجرة مواطني الدول النامية إليها إلا إنها تتبنى سياسات مخططة ومدروسة بدقة لاجتذاب أصحاب الكفاءات والمهارات الخاصة من هذه الدول
(علم الاستغراب (المقابل للاستشراق) هو يٌعنى بدراسة كل ما يتعلق بالغرب حضاريا ً ودينيا ً وثقافيا ً وتاريخيا ً وسياسيا ً واجتماعيا ).
✓ تهيئ الدول الرأسمالية المتقدمة المحيط العلمي والذي يحفز على مواصلة البحث والتطوير وزيادة الخبرات حيث أن ظروف العمل في البلدان المتقدمة وسيلة لتحقيق الطموحات العلمية.
✓ توفير الثروات المادية التي تمكنها من تمويل فرص العمل هامة والتي تشكل إغراءً قوياً للعقول العربية بما توفّره من مستوى دخل ممتاز وضمانات اجتماعية.
آثار هجرة العقول العربية إلى الغرب على مستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتعليم:
✓ ضياع الجهود والطاقات الإنتاجية العلمية التي تذهب إلى البلدان الغربية ، بينما تحتاج التنمية العربية لمثل هذه الكفاءات في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والتخطيط والبحث العلمي والتقنية
فقد الموارد الإنسانية والمالية العربية التي أنفقت في تعليم وتدريب الكفاءات التي تحصل عليها البلدان المتقدمة من دون مقابل .
✓ ضعف وتدهور الإنتاج العلمي والبحثي في البلدان العربية مقارنة مع الإنتاج العلمي للمهاجرين في البلدان الغربية .
وفي الختام يبقى الحد من نزيف هجرة الكفاءات العلمية مطروحا على طاولة الحكومات العربية ، يلزمها التفكير في حلول جذرية له.