كشفت دراسة أكاديمية حديثة عن أن الاختلالات التي تعرفها العملية الانتخابية في المغرب لم تعد مجرد سلوكيات عرضية، بل تحولت إلى آليات لإعادة إنتاج النسق السياسي من داخل القانون ذاته.
الدراسة التي أنجزها الباحثان أشرف الطريبق وعبد الرزاق المسكي، والمنشورة في المجلة العربية للنشر العلمي تحت عنوان “تحليل نقدي لمقترحات أحزاب المعارضة حول إصلاح المنظومة الانتخابية المغربية في أفق الاستحقاقات التشريعية لسنة 2026″، أكدت أن الشفافية الانتخابية لم تعد مجرد مبدأ أخلاقي، بل أصبحت “تكنولوجيا رمزية لإنتاج الثقة”، فيما تحوّل المال السياسي إلى عنصر محدد في هندسة السلطة وتوزيعها، بدل أن يظل وسيلة للتأثير فقط.
وأوضحت الدراسة أن ما يُعرف بـ”الفساد الانتخابي” لم يعد انحرافًا عرضيًا، بل بنية قائمة تسهم في إعادة إنتاج النسق السياسي، معتبرة أن المال العمومي والرمزي أصبح أداة لتقويض التمثيل الديمقراطي وتحويل السياسة إلى سوق للمقايضة.
كما أبرز الباحثان أن النزاهة الانتخابية لم تعد فضيلة أخلاقية فحسب، بل صارت “وظيفة مؤسساتية” قابلة للمأسسة والتقنين، مشيرين إلى أن تشديد العقوبات وتجريم الحملات السابقة لأوانها ورقمنة اللوائح ليست مجرد إجراءات ردعية، بل محاولات لإعادة بناء الثقة العامة وتحويل الأخلاق إلى هندسة قانونية تؤطر الضمير العمومي.
وفي تحليلها لتجربة انتخابات 8 شتنبر 2021، رصدت الدراسة مجموعة من الاختلالات البنيوية في العلاقة بين الإرادة الشعبية والإرادة المؤسسية، مؤكدة أن المراقبة لم تعد مجرد وسيلة تقنية لضمان النزاهة، بل تحولت إلى ممارسة رمزية لإعادة ترميم الثقة في الدولة ومؤسساتها.
كما كشفت الدراسة أن تلك الانتخابات أبرزت هشاشة التوازن بين الإرادتين، حيث إن مظاهر مثل استعمال المال وشراء الأصوات وتدخل بعض أعوان السلطة ومنع المراقبين ليست حوادث معزولة، بل شواهد على ما أسمته بـ”الفساد البنيوي للتمثيل”، إذ تتم السيطرة من داخل القانون لا من خارجه.
وخلص الباحثان إلى أن مقترحات أحزاب المعارضة لم تكن مجرد مذكرات تقنية لتجويد الإجراء الانتخابي، بل محاولات لإعادة هندسة الحقل السياسي وتوزيع السلطة داخله.
وفي مقارنة مع التجارب الأوروبية، اعتبرت الدراسة أن المراقبة الانتخابية بالمغرب لم تتحول بعد إلى ممارسة سيادية مكتملة كما هو الحال في الديمقراطيات الراسخة، لكنها تسير في اتجاه بناء “سيادة قانونية ناعمة” تجمع بين الضبط المؤسسي والشرعية القانونية، في إطار سعي الدولة لترميم شرعيتها الأخلاقية والسياسية مع الحفاظ على مركزية إدارتها للحقل الانتخابي.













