الأقاليم الجنوبية بين بطالة مقلقة وتوجيهات ملكية للتصحيح: هل تنجح الحكومة في إطلاق التنمية من الجذور؟

هيئة التحرير4 أغسطس 2025آخر تحديث :
الأقاليم الجنوبية بين بطالة مقلقة وتوجيهات ملكية للتصحيح: هل تنجح الحكومة في إطلاق التنمية من الجذور؟

بقلم: الصغير محمد

في ضوء التباينات الصادمة التي كشفتها المندوبية السامية للتخطيط بشأن وضعية سوق الشغل خلال الفصل الثاني من سنة 2025، تبرز الجهات الجنوبية الثلاث في صدارة المناطق التي تعاني من ارتفاع حاد في معدلات البطالة، حيث بلغ معدل البطالة بها نسبة 25.7%، وهو الأعلى على الصعيد الوطني، في وقت سجلت فيه معدل نشاط اقتصادي بلغ 46.6%، متجاوزًا بذلك المتوسط الوطني المحدد في 43.4%. هذا الواقع يكشف عن مفارقة تنموية حقيقية، إذ رغم الدينامية الاقتصادية الظاهرة من حيث نسبة النشاط، إلا أن هذه الدينامية لم تُترجم إلى فرص عمل حقيقية ومستدامة تساهم في امتصاص البطالة المتزايدة، مما يثير تساؤلات جوهرية حول نجاعة السياسات العمومية والبرامج التنموية السابقة الموجهة لهذه الجهات.

الخطاب الملكي الأخير بمناسبة عيد العرش جاء ليشكل لحظة مفصلية في تشخيص هذا الواقع التنموي المختل، حيث دعا جلالة الملك محمد السادس بشكل صريح إلى اعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يستند على تثمين الخصوصيات المحلية وتكريس الجهوية المتقدمة ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات. كما شدد الخطاب على ضرورة توحيد جهود مختلف الفاعلين حول أولويات واضحة ومشاريع ذات أثر ملموس، خصوصًا في مجال دعم التشغيل وتوفير مناخ ملائم للاستثمار المحلي. هذه الدعوة الملكية تُعد بمثابة خارطة طريق لتصحيح المسارات السابقة وإعادة توجيه بوصلة التنمية الترابية نحو مقاربات أكثر عدالة وواقعية.

الهوة الظاهرة بين المؤهلات الاقتصادية المتوفرة بالأقاليم الجنوبية وغياب أثرها على نسب البطالة تبرز حجم الإشكال المؤسساتي والهيكلي الذي تعاني منه هذه الجهات. فبين غنى الموارد الطبيعية، وامتداد السواحل، وتوفر البنيات الأساسية الكبرى، لا تزال النتائج على مستوى التشغيل ضعيفة، ما يؤشر على خلل في ربط السياسات الاستثمارية بالواقع المحلي، وافتقار البرامج السابقة إلى الاستهداف الفعال للفئات الأكثر هشاشة. وفي هذا السياق، تصبح الحاجة ملحة إلى تجاوز المقاربات الفوقية التي كانت تُملى من المركز، نحو نماذج تنموية منبثقة من خصوصيات كل جهة، ومنطلقة من أولوياتها الواقعية واحتياجات ساكنتها، وهو ما دعا إليه الخطاب الملكي بشكل واضح وصارم.

الوضع الحالي لا يحتمل مزيدًا من التسويف، إذ إن استمرار بطالة مرتفعة في جهات يفترض أنها تُشكّل قاطرة للتنمية المجالية يهدد بتوسيع الفوارق المجالية والاجتماعية، ويُضعف ثقة المواطنين في البرامج الحكومية والمؤسسات العمومية. ومن ثم، فإن تفعيل التوجيهات الملكية على أرض الواقع يقتضي إرادة سياسية صادقة، وتنسيقًا فعليًا بين المتدخلين، وإصلاحًا إداريًا يحرر الطاقات المحلية، ويوفر شروط الجاذبية للمبادرة الحرة والمقاولات المحلية. كما يتطلب الأمر مراجعة شاملة للمنظومة الجهوية للاستثمار، وربط التكوين المهني بسوق الشغل، وتطوير الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كبديل عملي لخلق فرص الشغل المستدامة.

المعركة ضد البطالة في الأقاليم الجنوبية لم تعد مجرد شأن اجتماعي أو اقتصادي، بل تحولت إلى قضية مركزية في صلب النموذج التنموي الجديد، وأداة حاسمة في تكريس الانتماء والعدالة المجالية. وبين المؤشرات الرسمية التي تدق ناقوس الخطر، والتوجيهات الملكية التي تحدد البوصلة، تبقى الكرة اليوم في ملعب الحكومة والمؤسسات الجهوية، لإنجاح رهان التصحيح التنموي المنتظر.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة