الإبتزاز لإلكتروني سلاح يستهدف التماسك الإجتماعي !!

هيئة التحرير29 يوليو 2022آخر تحديث : الجمعة 29 يوليو 2022 - 8:21 مساءً
هيئة التحرير
مقالات الرأي
الإبتزاز لإلكتروني سلاح يستهدف التماسك الإجتماعي !!

بقلم : أحمدو بنمبا

لاشك أن الجميع يتابع التطور السريع للخدمات الإلكترونية بالعالم ، والتي يمكن اعتبارها فتحا عظيما من الله ، يقصر المسافات وييسر التواصل ، ويجعل الجميع يعيش جنبا إلى جنب ، وكأننا في قرية صغيرة من خلال خدمات وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة والبريد الإلكتروني ، والهاتف النقال ، وغيرها من البرامج والتطبيقات المهمة التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا .

لكن ما يثير الانتباه حقا هو أن غالبية عظمى من المستفيدين من هذه النعم ، يعرضون عن جانبها الإيجابي الذي يخدم البشرية والإنسانية ، ويسخرونها في ما يغضب الله ويؤذي العباد ، وفي هذا الإطار نفاجأ بالكم الهائل من الحقد والحسد الذي يفرغه البعض في تعاليقه السافلة والساقطة كلما جاء إنسان بجديد ، أو حصل على جائزة أو فاز بقصب السبق في تخصص ما ، بغية تحطيمه والاستهزاء به وكرهه كراهية لا مبرر لها !!!

فالحقيقة المرة التي ينبغي أن نعترف بها هو تكاثر الظواهر الغريبة التي جاء بها هذا التطور الإلكتروني ، فلقد أصبحنا نسمع عن نشر الفضائح ، وتشويه سمعة الأبرياء ، بغية حصد أكبر عدد من المشاهدات والإعجابات والاشتراكات !!! بل إن الأمر تطور إلى أكبر من ذلك وظهر “التسول الإلكتروني” ، فبمجرد ما تدخل إلى هذا الفضاء الافتراضي العجيب ، إلا وستجد مئات الرواد يستعطفونك من أجل الاشتراك في قنواتهم وصفحاتهم بالضغط على زر الإعجاب والاشتراك لتساعدهم لوجه الله لتحقيق بعض الأرباح ، والله لا يضيع أجر المحسنين !!!

في ظل هذه الفوضى وقانون الغاب الذي أصبحنا نعيشه في هذا العالم الافتراضي ، لم يعد البعض من أصحاب النفوس المريضة والخبيثة يكتفي بالشتم والسب والقذف فقط ، بل تجاوز ذلك إلى حد الابتزاز والتهديد بنشر صور خاصة أو فيديوهات فاضحة لأناس مشهورين أو في مناصب حساسة أو من عامة الناس ، وذلك من أجل الحصول على مقابل مادي ، وعند الامتناع عن دفعه ، ستكون النتيجة هي التشهير على أوسع نطاق !!!

أكيد أن هذه الظاهرة الخطيرة في تزايد مستمر في بلادنا المغرب ، بل إن بعض المدن والعياذ بالله أضحت عواصم لتكوين المبتزين والإيقاع بالضحايا من مختلف الفئات !!! وجني أرباح خيالية حسب القيمة المادية لثروة الضحية ومكانته الاجتماعية.

وأكيد أيضا أن البعض من هؤلاء الضحايا فضل للأسف الشديد وضع حد لحياته بدل مواجهة الفضيحة والتشهير أو التبليغ لدى السلطات المختصة !!! وهذا هو الإشكال الأساسي الذي يجب أن يناقش لمعرفة مدى توفير المشرع المغربي والمجتمع المدني للحماية اللازمة لهذه الفئة من ضحايا مجرمي الابتزاز الإلكتروني ، وإيجاد السبل الكفيلة لتطهير المجتمع المغربي من هذه الآفة المشينة التي دمرت ولازالت تدمر أشخاصا بعينهم ، وشبابا في عمر الزهور ، بل وشيوخا في أرذل العمر ومسؤوليين مشتغلين في إطار المصلحة العامة !!!

sahel

نص الفصل 538 من القانون الجنائي المغربي على أن : «من حصل على مبلغ من المال، أو الأوراق المالية أو على توقيع أو على تسليم ورقة مما أشير إليه في الفصل السابق، و كان ذلك بواسطة التهديد بإفشاء أو نسبة أمور شائنة، سواء كان التهديد شفويا أو كتابيا، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات و غرامة من مائتين إلى ألف درهم.» .

وبناءا على ما تقدم ينبغي أن نميز ما بين الجرائم المعلوماتية و الجرائم المستخدمة عن طريق النظم المعلوماتية , و هنا مكمن الاختلاف بين الجريمتين ، فالجرائم المعلوماتية تكون الضحية المباشرة فيها هو النظام المعلوماتي , أما الجرائم الأخرى التي تستخدم النظم المعلوماتية كوسيلة لإنجازها تعتبر جرائم عادية جدا و تخضع للنصوص التقليدية (نصوص القانون الجنائي)، وعليه فلا نحتاج لنص جديد يعاقب على الابتزاز الإلكتروني لأنه أصلا ابتزاز , حيث تصبح وسيلة الضغط (التهديد) هي النظام المعلوماتي و هي نفس الصورة لشخص يستخدم نشر الصور بتعليقها في أسوار الحي بحيث لا يوجد اختلاف في مضمون الجريمة وأركانها.

أما فيما يخص الحالة التي تتعلق بسقوط “بطاقة الذاكرة” ووقوعها بيد شخص آخر حاول استغلالها لمساومة الضحية ، فهنا ينبغي أن نناقش نوع المواد المرئية ، فإذا كانت مجرد صور لضحية في أوضاع معينة ، فالجاني في هذه الحالة يكون قد ارتكب جريمة من جرائم السرقة المعاقب عليها بالفصل 527 من القانون الجنائي , و كذا جـريمة الابتزاز حسـب الفـصل 538 من القانون الجنائي المغربي ، أما إذا كانت التسجيلات أو الصور عبارة عن صور خليعة أو منافية للأخلاق و الآداب العامة فهنا يمكن اعتبار ضحية الجرائم أعلاه فاعل رئيسي لجريمة انتهاك حرمة الآداب العامة, لأن ما قام به أصلا في هاتفه يخرق مقتضيات الفصل 89 من قانون الصحافة ، غير أن هذا الأخير يمكنه الدفع بأن ما “بني على باطل فهو باطل” و يمكن أن لا تعتد بالصور المضبوطة لأنه محصل عليها عن طريق جريمة ألا و هي السرقة و الابتزاز “.

أما فيما يخص حالة اختراق أحد ما لحاسوب شخص وأخذ بعض الوثائق والصور والفيديوهات منه ، فإننا هنا نتكلم عن جريمتين : الابتزاز و الجرائم المعلوماتية التي سبق الإشارة لها .
وقد نص تعديل جديد في القانون الجنائي المغربي على أن المساس بخصوصية الآخرين من خلال نشر صورهم أو أقوالهم بغرض التشهير بهم سيعرض صاحبها إلى عقوبات سجنية وغرامات مالية قد تصل إلى خمسة ملايين سنتيم.

فبعد توالي حوادث نشر الصور والفيديوهات الخاصة بالغير على مواقع التواصل الاجتماعي دون الحصول على موافقة منهم وذلك بغرض الإساءة والتشهير ، قدم قانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء ثلاث تعديلات على الفصل 447 من القانون الجنائي ، حيث أصبحت هذه السلوكات تقع تحت بند انتهاك خصوصية الغير بموجب التعديلات الجديدة.

وبحسب الفصل 1-447 فإنه “يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم كل من قام عمدا، وبأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابها، ويعاقب بنفس العقوبة، من قام عمدا وبأي وسيلة، بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص، دون موافقته”.

وأخيرا يبقى مشكل الإبتزاز الإلكتروني يؤرق المجتمع برمته ، بالرغم من كل الجهود التي تبذلها السلطات الأمنية والمجتمع المدني، لازالت هذه الظاهرة المشينة ، تُسقط العديد من الضحايا وتدمر حياتهم الشخصية والمهنية، خاصة بعد الإقبال الواسع الذي تشهده منصات التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة، واتساع رقعة مستعملي الانترنت بالمغرب ، الأمر الذي يستدعي تشديد المراقبة والتحسيس بالمخاطر المصاحبة لاستخدام هذه المواقع، بالإضافة إلى تعزيز الترسانة القانونية لردع المبتزين ولحماية الأشخاص من هذه الجرائم الرقمية المدمرة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة