الداخلة، المدينة الصحراوية المطلة على المحيط الأطلسي، تواجه أزمة يومية تتجاوز مجرد الانقطاع العرضي للماء. الواقع الجديد لم يعد مجرد مسألة توفر الماء، بل يتصل بجودته والفواتير المالية التي تثقل كاهل المواطن. كثير من الأسر باتت تعتمد على قنينات ماء 5 ليتر أو الماء المصفى للشرب، كحل لحماية صحة الأسرة، بينما تصل الفواتير الرسمية بشكل دوري، وأحيانًا بعد تأخر، دون أن يعرف المواطن كمية استهلاكه الفعلية. النتيجة هي تراكم الديون لتصل عند البعض إلى أكثر من 10 آلاف درهم، في وقت تواجه فيه الأسر ضغوطًا متصاعدة بسبب غلاء المعيشة، ارتفاع الكراء، ومصاريف دراسة الأبناء.
هذه المعادلة الصعبة بين الحاجة الأساسية للموارد وضغط الفواتير لم تمر مرور الكرام. خلال الدورة الاستثنائية لمجموعة الجماعات الترابية الداخلة وادي الذهب للتوزيع، مارس المنتخبون ضغطًا واضحًا على الجهات المسؤولة، مطالبين بتدخل عاجل لإصلاح منظومة التوزيع ومعالجة الفواتير بما يتوافق مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي للسكان. هؤلاء المنتخبون أشاروا إلى أن الفوترة يجب أن تراعي الاستهلاك الفعلي لكل أسرة، وأن تعكس الانقطاعات السابقة، وعدم جودة الماء، لتفادي تراكم مبالغ كبيرة غير متوقعة تضغط على الأسرة وتؤثر في حياتها اليومية.
الأزمة تكشف خللاً مؤسسيًا عميقًا: الفواتير الحالية لا تعكس الخدمة المقدمة، والانقطاع أو ضعف جودة الماء يتحمل المواطن وحده تبعاتها المالية، ما يجعل حقًا أساسيًا مثل الماء عبئًا مزدوجًا—حاجة يومية وديون متراكمة. تراكم هذه الديون يضع الأسر أمام معضلة مزدوجة بين تلبية الاحتياجات الأساسية ومواجهة أعباء مالية لا تتناسب مع دخلها، ويبرز هشاشة النظام الإداري في التعامل مع الموارد الأساسية بطريقة عادلة.
الحل، وفق التحليل الموضوعي للمعطيات، يتطلب إصلاحًا مؤسسيًا شاملاً: تحسين جودة التوزيع، صيانة دورية للشبكة، رقابة مستمرة، ونظام فوترة عادل يوازن بين الاستهلاك الفعلي والقدرة المالية للمواطنين. الضغط الذي يمارسه المنتخبون اليوم ليس احتجاجًا شكليًا، بل ضرورة لضمان العدالة الاجتماعية، وتحويل حق أساسي مثل الماء من عبء مالي إلى مصدر استقرار ومعيشة كريمة.
أزمة الماء في الداخلة ليست مجرد نقاش تقني أو مالي، بل اختبار حقيقي لقدرة المؤسسات على التوفيق بين التزاماتها وحقوق المواطنين، وضمان ألا يتحول حق أساسي إلى عبء يفاقم الضغوط الاجتماعية والاقتصادية اليومية. إن معالجة هذه الأزمة بنهج شامل وشفاف ستعيد الاعتبار للحق في الماء، وتؤكد قدرة الإدارة على تلبية حاجات السكان في ظروف معيشية صعبة، بينما تجاهل هذه المعطيات سيبقي السكان رهينة معاناة مركبة وفواتير مرهقة لا تراعي الواقع الاجتماعي.