د. احمد بابا اهل عبيد الله
رئيس مركز الساحل للبحث العلمي والتنمية المستدامة
مقدمة:
تمتد جذور العلاقات المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية عميقاً في التاريخ الحديث والمعاصر ، إذ كان المغرب أول دولة في العالم تعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية عام 1776 ، ومنذ ذلك التاريخ بدأت خيوط العلاقات السياسية والاقتصادية تنسج بين المغرب والولايات المتحدة، وبذلك تتميز هذه العلاقات بخاصية تاريخية منفردة في القدم ،لكن هذا التفرد تأثر أحياناً بالظروف الداخلية والمتغيرات الدولية لكلا البلدين وفي مختلف المجالات وبخاصة السياسية والاقتصادية منها تداعيات ما سمي بأحداث الربيع العربي التي عصفت بأنظمة سياسية عربية عريقة ومؤثر في الساحتين العربية والدولية ،فضلا عن أنتشار تنظيم القاعدة في دول المغرب العربي ،وما سبقه من تشكيل التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ،وما ترتب على ذلك من زيادة التنسيق السياسي والامني بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية في سياق التصدي للإرهاب ومكافحة الهجرة غير الشرعية كأخطار مهمة. ويبقى الهم الأكبر للمغرب في علاقته مع الولايات المتحدة الأمريكية هو اعتراف هذه الأخيرة بسيادة المغرب على الصحراء المغربية التي باتت تشكل عنصرا وتحول أساسيا في علاقة البلدين.
فقد ظهر الاهتمام الأمريكي بمنطقة المغرب العربي منذ نيل هذه الدول استقلالها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، والتنافس بين موسكو وواشنطن في فترة الحرب الباردة لاستمالة العواصم المغاربية لأحد المحورين الشرقي الشيوعي أو الغربي الرأسمالي، وتوجت هذه السياسة بنجاح واشنطن في استمالة المملكة المغربية وتونس في مقابل ميل ليبيا والجزائر نحو الاتحاد السوفييتي. ثم تطور هذا الاهتمام بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي عبر المقترح الأمريكي لمشروع الشراكة مع منطقة المغرب العربي والذي أطلق عليه اسم مشروع (ايزنستات) المنافس للمشروع الأوربي للشراكة.
كانت السياسة الأمريكية واضحة في دعوة الدول المغاربية إلى الانفتاح السياسي والاقتصادي والانخراط في حركة الاقتصاد العالمي، وركزت واشنطن على ضمان استمرار تطور العلاقات السياسية والاقتصادية مع المملكة المغربية، الى إن توجت هذه العلاقات بتوقيع اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين.
وكانت تخضع التصورات الأمريكية منذ عقد السبعينات من القرن الماضي لمنطقة المغرب العربي بشكل مرجعي لرؤية وزير الخارجية السابق (هنري كيسنجر)، الذي وضع تقسيما إداريا لمناطق العالم، الحق بموجبه المنطقة المغاربية بمنطقة الشرق الأوسط، وبقيت أثره نفس درجة الاهتمام بمنطقة المغرب العربي إلى عهد الرئيس (باراك اوباما).
لكن بعد تولي (دونالد ترامب) لرئاسة الولايات المتحدة الامريكية وفي آخر ولايته ، سوف تتغير نظرة سياسة الخارجية الأمريكية للمغرب العربي، وخاصة علاقاتها مع المملكة المغربية، والتي أثمرت في آخر أيام (دونالد ترامب) باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء المغربية.
إشكالية الموضوع: ماهي الأفاق المستقبلية للعلاقات المغربية الأمريكية بعد التطورات السياسية الراهنة؟ وهل يمكن أن يكون ذلك بداية انفراج لعلاقات متينة بين البلدين ومسلسل لبداية مشروع مغاربي واعد أم أن هذا التقارب سيزيد من تكريس واقع التباعد والانقسام بين الأقطار المغاربية؟
ومن هذه الإشكالية تنبع مجموعة من الأسئلة هي:
ماهي الخلفية التاريخية والسياسية للعلاقات المغربية الأمريكية؟
كيف هو مستقبل العلاقات المغربية الأمريكية بعد اعتراف هذه الأخيرة بسيادة المغرب على الصحراء المغربية؟
ماهي مرتكزات وعوامل توثيق العلاقات بين البلدين؟
الفرضية:
ينطلق البحث من فرضية مفادها أن نجاح العلاقات الأمريكية المغربية هي نافذة أساسية لبناء اي تكتل مغاربي قوي في المستقبل القريب، فنظام الحكم بالمغرب يعرف جيداً دور الولايات المتحدة الأمريكية في العالم وتأثيرها الجيوسياسي، لذلك ات الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء المغربية، كبداية نواة صحيحة لتأسيس علاقات ذات طابع استراتيجي.
أولا: البعد التاريخي والسياسي للعلاقات المغربية الامريكية
العلاقات المغربية الأمريكية ممتدة في عمق التاريخ، فقد ظلت معاهدة السلام والصداقة الموقعة العام 1786، سارية المفعول، والتي سجلت سبق الاعتراف المغربي باستقلال الولايات المتحدة بعد استقلالها العام 1776، عقب حرب الست سنوات ضد بريطانيا. وبالرجوع إلى الكتب والمصادر التاريخية تلاحظ إن العلاقة بين البلدين كانت منذ أمد بعيد، وظلت قائمة رغم الاضطرابات التي طبعت القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
وسوف تتطور العلاقات جيدا، فبعد استقلال المغرب عن فرنسا سنة 1956، بادرت الولايات المتحدة الأمريكية لتكون أول دولة تعترف رسمياً بالمغرب المستقل وكان (إيزنهاور) أو رئيس دولة يعين سفيراً لها بالمغرب. بعد ذلك، اسس الولايات المتحدة لتحالفات داخل العالم الإسلامي والعربي، وكان المغرب أبرز هذه الحلفاء الاستراتيجيين في المنطقة، وقد تعزز هذا التوجه في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، حيث كان يتمتع بصداقة مستمرة مع رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي الواقع خضعت العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والمغرب لعدة مؤثرات عبر المرحلة السابقة عكست من جهة تطور مكانة الدولتين في النظام الدولي حيث تمكنت الولايات المتحدة في ظرف وجيز من الانتقال من كيان يريد إثبات وجوده واستقلاله إلى قوة عظمى وقائده لهذا النظام بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. في حين سعى المغرب بعد استقلاله إلى مواجهة تحديات التنمية وتحسين موقعه، ومن جهة أخرى اختلاف مصالحها بفعل هذه المكانة.
لذلك، لم تكن مساهمة الرئيس الأمريكي (بيل كلينتون) في جنازة الملك الراحل الحسن الثاني مجرد اعتراف بمكانة ودور الملك الراحل الحسن الثاني على المستوى السياسي والدبلوماسي، وإنما كانت تؤشر أيضاً لمتانة العلاقات المغربية الأمريكية التي تكتسي شحنة تاريخية..
وإذا رجعنا إلى موجز تاريخ العلاقات الأمريكية العربية بصفة عامة ، نجد إن للولايات المتحدة الأمريكية، قد قامت في المنطقة العربية منذ لحظة تدخلها الكثيف فيها، على دعامتين هما: احتواء التوسع السوفياتي سابقا، وضمان تدفق النفط الرخيص. فقد أقر الرئيس (ترومان) بأهمية نفط الخليج في خطابه أمام الكونغرس في 24 مايو 1951، إذ أعلن أن الشرق الأوسط “يحتوي على نصف احتياطيات النفط في العالم”.
و في الأول من خمسينيات القرن الماضي، راهنت أمريكا على ما يسمى الدول العربية “المعتدلة”. فأوصى ترومان بمستويين من التحالفات العسكرية الإقليمية: قيادة الشرق الأوسط المستوحاة من النموذج البريطاني ،ومنظمة الدفاع عن الشرق الأوسط التي عرفت أيضاً بحلف بغداد، وحذا الرئيس أيزنهاور حذو ترومان، ووثق إلى حد كبير العلاقات الأمريكية مع الحلفاء العرب.
وقد تخيلت عقيدة كل من أيزنهاور وترومان دوراً رئيسياً للحلفاء العرب في حماية المصالح الأمريكية وفي مواجهة الاتحاد السوفييتي السابق في المنطقة. والمغرب يعتبر ركنا أساسيا في السياسة الأمريكية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وقد ساهمت مجموعة من العوامل في ترسيخ مكانة المغرب في المقاربة الأمريكية للمنطقة المغاربية.
لذلك ،لم يتردد المغرب في الانصهار في الاستراتيجية العالمية التي دشنتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن بعد أحداث شتنبر 2001 التي ضربت الولايات المتحدة ونسبت إلى القاعدة. فقد ساند المغرب الإجراءات التي دفعت إليها الولايات المتحدة الأمريكية الهادفة إلى تجفيف مصادر الإرهاب من خلال قرارات ملزمة لمجلس الأمن.
جانب أن المغرب بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية يعتبر كنموذج للإصلاح الديموقراطي. كما أن البيان الصادر عن اللقاء الذي تم في واشنطن بين الملك محمد السادس والرئيس الأمريكي أوباما يوم نونبر 2013 قد أشاد بتلك الإصلاحات الديمقراطية التي رسخها الملك محمد السادس.
فضلا عن ذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تشجع على إقامة الروابط الاقتصادية بين الدول المغاربية، كما أشارت لذلك مبادرة (ايزنشطان، نسبة إلى كاتب الدولة في التجارة والمالية والاقتصاد في نهاية التسعينات. وقد ارتكزت على ثلاثة أفكار محورية وهي: أولا: إرساء حوار منتظم مع الدول المغاربية ولا سيما المغرب والجزائر وتونس. ثانيا: التعامل معها كمنطقة للتعاون الاقتصادي بشكل يمكنها من الاستفادة من التكنولوجيا، وكذلك من الفرص التي يتيحها السوق الأمريكي. وثالثا: التأكيد على الدور المحوري للقطاع الخاص كفاعل أساسي في هذه الشراكة لتحقيق التنمية المستدامة في منطقة المغرب الكبير.
وفي هذا التعاون والروابط الاقتصادية، قد شهدت العلاقات المغربية الأمريكية مجموعة من المبادرات إلى ترسيخ العلاقات بين الطرفين. ففي يونيو 2004، وقع الطرفان اتفاق للتبادل الحر بعد مفاوضات انطلقت في سنة 2003. وقد دخل حيز التطبيق في 2006. وهو يشكل خطوة أخرى على درب سياسة الانفتاح التي نهجها المغرب منذ تبنيه لبرنامج التقويم الهيكلي.
لذلك دلالة هذه الاتفاقية ليست بالأساس اقتصادية، بل هي بالدرجة الأولى ذات دلالة سياسة. فهي تأتي في سياق مناخ ما بعد 11 شتنبر 2001 الذي دفع الإدارة الأمريكية إلى تبني ما وصفته بالحرب على الإرهاب. وعلى رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في بناء ما سمي بالشرق الأوسط الكبير الذي أثار جدلا كبيرا اعتبارا لاعتقاده الخاطئ بإمكانية دمقرطة دول المنطقة بإرادة خارجية.
إلى جانب ذلك تعتبر المقاربة الأمريكية لقضية الصحراء المغربية من القضايا التي تشكل خصوصية العلاقة الأمريكية المغاربية. وبالنسبة للمغرب، فإن الموقف الأمريكي يبقى حاسما في توجيه الموقف الدولي إزاء تطورات هذا الملف لعدة اعتبارات منها: كون الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر عضوا دائما ومؤثرا في مجلس الأمن. فضلا عن ذلك فإنها ترتبط بعلاقات مع المغرب.
لكن، يبقى التوجه الأمريكي نحو المنطقة، فضلا عن التوجهات الأخرى في الشرق الأوسط، دخل ضمن الإطار الأشمل للاستراتيجية الأمريكية التي أعادت ترتيب أولوياتها، وفق التطورات التي سوف يشهدها القرن الحادي والعشرين، من دون الأخذ بنظر الاعتبار، من يجلس على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض. وعليه، إن الشراكة الاقتصادية مع المغرب العربي، برزت كتطور طبيعي لاتجاه الولايات المتحدة الأمريكية في التسعينات، لإحكام سيطرتها على المناطق الحساسة، وذات الموقع الاستراتيجي المهم بالنسبة إلى مصالحها الحيوية، ومن بينها منطقة المغرب العربي، التي شكلت مجالاً مهما وضروريا للمهمات المستقبلية التي حددها حلف الناتو، لمواجهة الأزمات القادمة، والتي تقع خارج مجاله الجغرافي المحدد في معاهدة (واشنطن لعام 1949).
ثانيا: مستقبل العلاقات المغربية الأمريكية في ظل التطورات السياسية الإقليمية والدولية
إن العلاقات المغربية الأمريكية تفرز تشابها في مقاربة الطرفين للقضايا التي يطرحها النظام الدولي. وقد ساهم في توثيق العلاقات بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية عدة عوامل شكلت دوافع للبلدين للمضي في هذه العلاقات.
ومن أهم هذه العوامل: الأهمية الإستراتيجية للموقع الجغرافي للمملكة المغربية، إذ تأتي مكانة المغرب في الإستراتيجية الأمريكية في سياق تحكمه عدة محددات، تتمثل في رغبة أمريكا في استغلال الموقع الاستراتيجي للمغرب بصفته دولة تنتمي إلى عدة وحدات إقليمية ودولية مهمة. فالمغرب دولة عربية، إسلامية، افريقية ومتوسطة، وكل واحد من هذه الأبعاد يقودنا إلى المصالح الأمريكية في المنطقة واستراتيجيتها لتحقيق هذه الأهداف، فالمغرب في إطاره الإقليمي يكتسي أهمية كبرى بسبب علاقته الحيوية بالأمن في البحر المتوسط والأهمية الإستراتيجية كممر بحري ضروري لاقتصاد الدول الغربية.
فالمغرب الذي سار على إتباع إيديولوجية تتسم بالواقعة والانفتاح والحياد فلم يكن بحكم الجوار الجغرافي الأوربي وبحكم نوعية الروابط الدولية التي شدته تقليديا إلى أوروبا، بعيدا عن أجواء الاستقطاب الدولي بين المعسكرين (الاشتراكي والرأسمالي) ذلك لأنه لم يفلت من أحكام التحولات المثيرة التي أجبرت أوربا نفسها إن تعيشها. ألا إن المغرب لم يتأرجح طويلا بين الشرق والغرب إذ كان قد حسم آمره واختار التوجه الغربي الليبرالي في سياساته الاقتصادية.
ومن الواضح إن المغرب استطاع استغلال بعض المعطيات التي تتوفر له (كالموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي حضي به وامتلاكه لبعض المعادن المهمة وبعده العربي والإسلامي والافريقي ) للحصول على الاهتمام الأمريكي، فأصبح المغرب واحدا من أقرب الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة الأمريكية في أفريقيا والعالم العربي والإسلامي.
وهذا بطبيعة الحال أعطى دفعا للمملكة المغربية للرهان على ضمان التأييد الأمريكي للقضايا المصيرية بالنسبة للسياسة الخارجية المغربية (قضية الصحراء المغربية وقضية مدينتي سبتة و مليلية والجزر المجاورة لهما المحتلة من قبل اسبانيا إلى جانب بعض القضايا المتعلقة بالهاجس الأمني والعسكري كالهجرة والإرهاب ومسيرة الإصلاح الديمقراطي في المغرب) لذا لم يرى المغرب أنه من الحكمة المغامرة بخسارة أهم القضايا التي تهم السياسة الخارجية المغربية، وتأتي في مقدمتها قضية السيادة على الصحراء المغربية.
ويظهر للعيان في ظل الظروف السياسية الإقليمية والدولية الراهنة والتي تتسم بالاضطراب إن العلاقات بين المغرب والولايات الأمريكية بدأت تشهد تحول وتايد جديد في المواقف والأهداف والتوافقات السياسية الإقليمية والدولية، وسوف تبرز هذه التوافقات من خلال اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء المغربية وتبني قرار تاريخي من داخل مجلس الامن 2797 والذي كانت فيه صاحبة القلم، حيث يعتبر محطة مهمة وتاريخية بين الدولتين. ظهرت ايضا جملة من الأهداف التي تسعى واشنطن لتحقيقها مع المغرب، ومن ذلك ما يلي:
-التأييد السياسي:
يتجلى في التأيد الأمريكي الواضح لرؤية المغرب الخاصة بمنح الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية كحل واقعي لتلبية تطلعات الأقاليم الصحراوية ويعد الدعم الأمريكي للموقف المغربي إزاء قضية الصحراء المغربية مكسباً دبلوماسياً للرباط.
2-تعزيز العلاقات الاقتصادية:
شهد التعاون الاقتصادي بين الدولتين نموا ملحوظا مستندا إلى اتفاقية التجارة الحرة، التي وقعت عام 2006، وهي الوحيدة من نوعها التي تربط واشنطن بدولة أفريقية،وخلال الولاية الأولى لترامب، تعرض الاستثمار الأمريكي في المغرب لتعزيزٍ ملحوظ، لا سيما في مجالات الطاقة المتجددة والبنية التحتية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، استثمارات شركة “جنرال إلكتريك” في مشاريع طاقة الرياح بالمغرب؛ مما ساعد على ترسيخ مكانة المغرب كمركز رئيسي للطاقة المتجددة بالمنطقة.
إضافةً إلى ذلك، تم تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدولتين، من خلال مبادرات مثل “مؤسسة تحدي الألفية”؛ حيث أبرم كل من المغرب والولايات المتحدة اتفاقية برنامج “الميثاق الثاني”بقيمة 450 مليون دولار، عام 2015، واستمر تنفيذه طوال فترة ترامب؛ بهدف الدفع بالنمو الاقتصادي وتحسين بيئة الأعمال في المغرب، وفي سياق توطيد هذا التعاون وتوضيح الآفاق الإيجابية للبلدين عبر مختلف المجالات، استضافت مدينة مراكش قمة الأعمال (الولايات المتحدة – أفريقيا) عام 2020، التي جمعت بين المستثمرين وأهم الشخصيات الفاعلة في عالم الأعمال من كلا الجانبين.
الشراكة في مجال الطاقة: وصفت وزارة الخارجية الأمريكية المغرب عام 2018، بأنه “شريك مثالي في الأمن الطاقي”، مشيرة إلى التعاون القائم في مجالات الغاز الطبيعي وكفاءة الطاقة والطاقة المتجددة وفرص الاستثمار الخاصة بالقطاع، وقد دعمت عدة وكالات أمريكية مثل مؤسسة تحدِّي الألفية (MCC) ووكالة التجارة والتنمية الأمريكية USTDA مشاريع الطاقة الشمسية المغربية كإحدى أكبر مشاريع الطاقة الشمسية عالميًا، مثل مجمع نور ورزازات، كذلك قدمت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID مساعداتها لتعزيز كفاءة استخدام الطاقة بالمجالات الصناعية وتحفيز الاستثمارات للطاقة المتجددة خلال تلك الفترة.
3-التعاون الأمني
شهد التعاون الأمني والعسكري بين الولايات المتحدة والمغرب تطورات ملموسة تجسدت في عدة محاور رئيسية: فقد وقع الطرفان اتفاقية تعاون دفاعي جديدة، بتاريخ 2 أكتوبر 2020، تضمنت “خارطة طريق للتعاون الدفاعي”، تمتدُّ لعشر سنوات (2020-2030)، وتم تصميمها لتدعيم الشراكة الإستراتيجية بينهما وتعزيز القدرات العسكرية المغربية.
بالإضافة لذلك، احتضن المغرب النسخة السابعة عشر من المناورات العسكرية السنوية “الأسد الأفريقي” بالتعاون مع القيادة الأمريكية وهي الأكبر بالقارة الأفريقية، يعكس هذا الحدث عمق العلاقة العسكرية القائمة بين البلدين. فضلا عن التعاون المشترك في مكافحة الإرهاب؛ حيث يعتبر المغرب شريكا إستراتيجيا للولايات المتحدة في شمال أفريقيا.
خاتمة
في ختام القول، إن المتتبع للعلاقات المغربية الأمريكية يجد أنها ليست وليد وقت قريب، وانما تعود للقرن الثامن عشر، وان المغرب عرف بأمريكا قبل أن يعرف هو عنها، لكن لم يبقى الحال على ما هو عليه، اذ بدأت مكانة المغرب تتراجع تدريجيا، حتى خضع للاستعمال الفرنسي 1912، وعند استقلاله عام 1956، بدأت العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية تأخذ منحى جديد. وفي ضوء التطورات الدولية والإقليمية السالف الذكر، فإن العلاقات بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية سيتم إقحامها ضمن ترتيب جديد، يأخذ بعين الاعتبار التطورات السياسية والاقتصادية والامنية التي يعرفها النظام الدلي. فقد ساهمت المتغيرات الدولية التي أحدثتها جائحة كوفيد-19 وحرب روسيا على أوكرانيا في إعادة تشكيل الفكر الاستراتيجي الأمريكي، فبعد إن هيمنت الاعتبارات الجيوسياسية في العالم ثنائي القطبية، فان النظام العالمي الجديد المتعدد الأقطاب أفرز أهمية العوامل الجيواقتصادية في السياسة الخارجية الأمريكية، وخصوصا في شمال أفريقيا كمنطقة يجب التحكم فيها، بحكم أنها الوجهة الاستثمارية للرأسمال الأمريكي في القرن الحالي. بالإضافة إلى أبعاد المنطقة اللوجيستية نظرا للحدود البحرية وطرق المواصلات وطرق التجارة، وهكذا يبرز المتوسط الذي يشكل المغرب أحد حلقاته المهمة.
إضافة إلى إن التقارب السياسي الحاصل بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، سوف يعطى بوابة أخرى للاستثمار الأمريكي في الصحراء المغربية، وهو ممر سيفتح المجال لأن تتجه الاستثمارات والسلع إلى غرب أفريقيا وهذا بعد استراتيجي بعيد المدى سوف يحد من ظاهرة الهجرة السرية والتطرف والجريمة المنظمة والإرهاب. ويمكن أن يكون هذا التقارب المغربي الأمريكي مفتاح لحلحلت معوقات بناء “اتحاد المغرب العربي”، وطريق لتقوية هياكله ليكون قادر على مواجهة كل العوائق الداخلية والخارجية.












