الساحل بريس
بقلم: الصغير محمد
لم يكن القرار الأممي الأخير القاضي بتثبيت خيار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية في الصحراء المغربية مجرد لحظة بروتوكولية في مسار طويل من القرارات، بل شكل انتقالاً من مرحلة إدارة النزاع والتفاوض حول شروطه إلى مرحلة بناء صيغة نهائية للحل. وهذه النقلة تفرض إعادة النظر في المؤسسات التي نشأت تاريخيًا ضمن سياق الدفاع السياسي والدبلوماسي عن الموقف المغربي، وفي مقدمتها المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية، الذي تأسس ليعكس نبض المجتمع المحلي ويترجم مطالب الصحراويين داخل المؤسسة الملكية.
لقد كان المجلس، منذ إعادة هيكلته، إطارًا استشاريًا ملكيًا يضم زعامات قبلية وشخصيات وازنة لعبت دور الجسر بين الدولة والمجتمع، وظهرت في سياق كان يُنظر فيه إلى تسوية الملف باعتبارها صراعًا على الشرعية الدولية، لا على أدوات التسيير الداخلي. أما اليوم، فإن السؤال تغيّر جذريًا: لسنا أمام مرحلة دفاع عن خيار الحكم الذاتي، بل أمام مرحلة تنزيله وبناء مؤسساته وتحديد هندسة سلطاته، بعد أن تبناه المجتمع الدولي هدفًا واقعيًا وعمليًا للحل.
وبقدر ما كان المجلس انعكاسًا لتوازنات اجتماعية وتاريخية، فإنه اليوم مطالب بأن يعكس دينامية جديدة لم تعد فيها الرمزية القبلية كافية، ولا الذاكرة النضالية القديمة وحدها مرجعًا للشرعية. فالمجتمع الصحراوي عرف تحولات عميقة؛ جيل شاب وُلد ونشأ داخل مؤسسات الدولة المغربية، درس في الجامعات، واندمج في الاقتصاد الوطني واستوعب منطق الدولة الحديثة. هذا الجيل لا ينتظر موقعًا يكرّس الاعتراف الاجتماعي القديم، بل يسعى إلى دور فعّال في صياغة مستقبل الإقليم عبر المشاركة في مؤسسات تمتلك سلطة تقريرية في قضايا التنمية والحكم المحلي والتمثيل السياسي.
لذلك فإن مسألة إحياء المجلس لا يجب أن تُفهم بوصفها مجرد إعادة تشغيل مؤسسة في وضعية سكون، بل باعتبارها إعادة تأسيس وظيفي وسياسي ينسجم مع اللحظة الجديدة. المطلوب ليس بعث نفس النخبة بآليات تقليدية، بل فتح المجال أمام كفاءات صحراوية قانونية ودستورية وإدارية واقتصادية قادرة على تصور نموذج الحكم الذاتي وتقديم رؤية مستقبلية للتسيير المحلي، تتجاوز منطق العلاقة الرمزية بين القبيلة والدولة، نحو علاقة مؤسساتية حديثة تقوم على المعرفة والقدرة على التخطيط والقيادة.
فالقرار الأممي الأخير نقل المغرب من وضعية يقدم فيها مبادرة سياسية ويبحث عن دعم دولي لها، إلى وضع يطرح فيه المجتمع الدولي سؤال التطبيق ومراحل البناء الدستوري والإداري. وهذا يستدعي تحول المجلس من مؤسسة استشارية دفاعية إلى فضاء إنتاج السياسة العمومية في الأقاليم الجنوبية، ومن واجهة اجتماعية إلى رافعة للحكم الذاتي وقاعدة للمشاركة السياسية الفعلية.
إن التحدي اليوم ليس استعادة مؤسسة بشكلها القديم، بل إطلاق مرحلة مؤسسية جديدة يكون فيها المجلس الاستشاري الصحراوي ركيزة في بناء المستقبل، لا مجرد شاهد على الماضي. هكذا فقط يمكن تحويل الاعتراف الدولي إلى إنجاز داخلي ملموس، وإلى مسار ترسيخ نموذج ديمقراطي ومؤسساتي حديث في الصحراء المغربية.













