رغم ما كابدته البلاد جراء الإغلاق الشامل الذي ضرب بدون رحمة جميع الأنشطة الاقتصادية، وهوى بالعديد من أفراد الطبقة المتوسطة إلى الدرك الأسفل من الفقر ، حيث أصبح المغرب يضم أكثر من 12مليون فقير حسب شهادة بطاقة الراميد ، إلا أن من قلدناهم أمورنا سواء كانوا منتخبين ، أو معينين ، لا زالوا يعزفون سمفونية إستنزاف خزينة الدولة غير آبهين بالعواقب.
وإعتمادا على الإحصائيات الرسمية ، فإن المغرب يتوفر على أسطول سيارات تفوق 120 ألف سيارة كلها تستهلك بترول الخزينة العامة على إمتداد أيام الأسبوع ، إضافة إلى أجور فيالق من السائقين وقطع الغيار والزيوت ، والصيانة وغيرها.
أدهى من ذلك ؛ إن بعض المفكرين الجدد الوافدين على العمل البيروقراطي و السياسي أصبحوا يقومون بتنزيل فكرة كراء العديد من السيارات الفخمة من طراز “اودي” و”مرسديس” و”بي م دابليو ” وكلها موديلات ألمانية غالية الثمن ، لكي يوهموا الآخر، بأنهم يقودون سيارات خاصة لا تحمل ترقيم ” M” حمراء في إشارة إلى سيارات الدولة .
ويلاحظ في هذا السياق أن عدوى كراء السيارات الفاخرة لم تكن وليدة اللحظة فلربما سنها الوزير السابق للشبيبة والرياضة ، والقيادي في حزب الحمامة ، “منصف بلخياط”، وبعد ذلك انتشرت كالوباء إلى باقي الجماعات الترابية ومجالس الجهات.
من جهة أخرى يمكن القول إن ظاهرة اقتناء وكراء السيارات الفاخرة على حساب أموال الشعب المغربي المقهور ، لم تقتصر على مسؤولي أحزاب اليمين أو ما تسمى بالأحزاب الإدارية ، بل تعداها إلى حزب التقشف الذي يزعم أنه يستنبط أخلاقه السياسية من عمر ابن عبد العزيز كرمز للتقشف والورع ، هذا الحزب بدوره تورط في عملية اقتناء سيارات جد فاخرة من طراز مازدا اليابانية ، وفولسفاكن توارك الألمانية ، وهذا دليل على أن السواد الأعظم من المسؤولين السياسيين هم على قلب رجل واحد عندما يتعلق الأمر بالاستفادة من الريع ، وامتصاص مقدرات الدولة ، فلا فرق بين اليمين واليسار والحزب الديني .
ختاما لا يسعنا إلا أن نقول إن ترشيد النفقات لابد منه ، إذا ما إستحضرنا الفقر الذي تعيشه فئات المجتمع وعبئ القروض والمديونية الخارجية ، والمساعدات النقدية والعينية التي تقدمها بعض الدول والسفارات الأجنبية .
لكن رغم هذا الوضع المتأزم ، فإن هذا لا يجعل المسؤولين يستحيون من أنفسهم حين تراهم يمتطون سيارات من آخر الصيحات ، لا يمتطيها عملاق الأزياء الفرنسي “برنارد أرنو” ولا صاحب موقع أمازون الأمريكي “جيف بيزوس” ، وهذه هي الطامة الكبرى في مغرب العجائب والغرائب والتناقضات الصارخة .