في ظل السعي الإفريقي لتعزيز البنية التحتية التجارية والاستفادة من منطقة التبادل الحر القارية (AfCFTA)، تواصل مدينة الداخلة ترسيخ مكانتها كمختبر حيّ للتكامل اللوجستي ومركز متقدم لربط إفريقيا بمحيطها الإقليمي والدولي. ويأتي تنظيم منتدى Dakhla Africa Logistique، من طرف غرفة التجارة والصناعة والخدمات بالشراكة مع مجلس جهة الداخلة–وادي الذهب، ليواكب الدينامية الاستثمارية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية خلال السنوات الأخيرة.
وتُعد مشاريع كبرى مثل ميناء الداخلة الأطلسي، والطريق السريع تزنيت–الداخلة، والمناطق اللوجستية المستقبلية، روافع حقيقية لتحويل هذا الامتداد الأطلسي إلى منصة لتداول السلع بين منطقة الساحل وغرب إفريقيا وأوروبا. ومع التحولات المتسارعة التي تعرفها سلاسل التوريد العالمية، تراهن الداخلة على موقعها الاستراتيجي وبنيتها التحتية المتطورة وإرادة سياسية واضحة لبناء منظومة لوجستية تنافسية ومستدامة.
ويجمع المنتدى، الذي تتواصل أشغاله إلى غاية يوم الجمعة، فاعلين من القطاعين العام والخاص، ومستثمرين ومؤسسات مالية، لمناقشة حلول عملية من شأنها تيسير انسياب التجارة عبر القارة.
يمتد برنامج المنتدى على مدى يومين ويتضمن نقاشات معمقة حول الممرات التي تربط الدول غير الساحلية بموانئ الأطلسي. فإلى جانب تحديات الولوج إلى البحر، تبرز قضايا توحيد المعايير، والأمن، والحوكمة، باعتبارها عناصر حاسمة في تعزيز تنافسية السلاسل اللوجستية. وتُعطى أهمية خاصة لتقليص التأخيرات، وتبسيط الإجراءات، وتأمين الطرق، وتعميم الرقمنة في المجال الجمركي.
كما يتوقف المشاركون عند دور المغرب المتنامي في ربط القارة ببعضها، إذ ترى الرباط في اللوجستيك المتكامل رافعة لتعميق شراكاتها الإفريقية. ويبرز مشروع خط أنابيب الغاز بين المغرب ونيجيريا كمثال واضح على هذه الرؤية، باعتباره مشروعًا هيكليًا يتقاطع مع أداء البنيات التحتية وضرورات الاندماج الإقليمي. ويحتل ميناء الداخلة الأطلسي موقعًا محوريًا ضمن هذا التوجه، كونه مركزًا متعدد الوسائط، يستقبل السفن الكبيرة، ويضم مناطق صناعية ولوجستية، ويؤدي دور بوابة لإمدادات الطاقة نحو منطقة الساحل. وسيجري تسليط الضوء على إمكاناته من خلال زيارات ميدانية وجلسات تقنية حول سلاسل التوريد.
تتوزع جلسات المنتدى على ثلاثة محاور محورية: الرقمنة، الاستدامة، والتمويل. فالأولى تهدف إلى تبسيط التجارة البينية في إفريقيا عبر منصات تبادل البيانات، أنظمة التتبع الآني، وتكامل الإجراءات الجمركية، في سياق كلفة لوجستية عالية مقارنة بآسيا وأوروبا. أما الاستدامة، فتسعى إلى التوفيق بين نمو النقل وتقليص الانبعاثات من خلال الطاقات النظيفة، تحسين المسارات، وتجديد الأساطيل. فيما يتناول التمويل الشراكات بين القطاعين العام والخاص، تعبئة التمويلات الإفريقية، ودور المؤسسات الدولية في إنجاز المشاريع العابرة للحدود.
ولا يقتصر المنتدى على النقاشات التقنية، بل يشكل فضاءً دبلوماسيًا واقتصاديًا يجمع وزراء وسفراء وموانئ وشركات شحن ومؤسسات مالية دولية، في محاولة لتنسيق الرؤى حول مستقبل التنافسية اللوجستية بالقارة. ومن خلال هذا الحدث، تجدد الداخلة طموحها لتكون صلة وصل بين أسواق الأطلسي ومنطقة الساحل والفضاء الأورومتوسطي. ومع تقدم مشاريع البنية التحتية، يبدو المنتدى مرشحًا ليصبح محطة سنوية مرجعية لصناع القرار في قطاعي النقل والتجارة، ودافعًا رئيسيًا نحو مشاريع وتعاونات إفريقية مستقبلية.













