انطباعات من الداخلة / طلحة جبريل
لعل ما أحسست به الجمعة قبل الماضية، يشعر به كثيرون بسبب شهور الإغلاق الذي تمدد أزيد من سنة، أي الحنين إلى حياة ما قبل الجائحة. لعله ارتباط الناس بما عاشوه، أو لعله حنينهم إلى ما ألفوه، أو لأن المتغيرات التي أصابت دنيانا، وقفنا أمامها حيارى عاجزين.
كانت وجهتي ذلك اليوم مدينة الداخلة، التي غبت عنها سنوات طويلة. وصلت إلى مطار محمد الخامس بعد رحلتين بالقطار “راحلة” هذا الزمان. وجدت المطار عبارة عن باحات وممرات فارغة ومطاعم ومقاه مغلقة.
وصلنا الداخلة عند منتصف الليل، كان هناك لبات الدخيل مدير الاتصال في الجهة، شاب يشيع الابتسامة والتفاؤل .حسن الوفادة . رحب الصدر. استقبلنا بحفاوة وبالورود.
تعرفت في الطائرة على عزيزة يحضية، وفي المطار على حسن القوتلي. شارك ثلاثتنا في تأطير الدورة التكوينية.
اقترح لبات جولة ليلية في المدينة.
لم أجد الداخلة التي أعرفها، بل مدينة أخرى كأنها “جُلْـمُوْدِ صَـخْرٍ حَطَّهُ السَّـيْلُ مِنْ عَلِ”.
مدينة جذابة ومضيئة ،شيدت بها متنزهات وساحات. اتسعت اتساعاً مذهلاً .حقيقة مذهل.
الداخلة التي كان بها فندق واحد دون مطعم، انتشرت فيها المطاعم. أتذكر بأننا كنا نتناول وجباتنا في مقر الثكنة العسكرية.
أكثر ما يلفت الانتباه أن الناس نساء ورجالاً كانوا يتجولون كأنهم في النهارات، في حين كان الليل قد عسعس واقترب الفجر. كان ملفتاً أن نجد مطعماً صغيراً اشترينا منه “بيتزا” في الثانية صباحاً. نعم الثانية صباحاً.
مدينة آمنة الجريمة منعدمة، أي أن صحافة “جرح قتل اغتصب سرق” تعرف بواراً.
نظمت الدورة في قاعة فسيحة تابعة للغرفة الفلاحية. كان يفترض أن أتحدث عن أربعة محاور”مدارس جديدة في الكتابة الصحافية”، وظاهرة “الصحافي الشامل”، واندثار فكرة” المواطن الصحافي” و”الشبكات الاجتماعية ما لها وما عليها”، لكن ضيق الوقت جعلني اقتصر على محورين.
أعقب المداخلات سيلاً من الأسئلة. لاحظت أن الممارسين للمهنة لهم جرعة حماس واضحة.
سئلت عن تجارب صحافية تركتها خلفي، وعن الصحافة الأميركية، والحدود التي يفترض ألا يتجاوزها الصحافي، وصحافة القرب (الصحافة الجهوية) وعلاقة الأدب بالكتابة الصحافية.
هناك من سألني عن الطيب صالح ومحمد الفيتوري.
هذا السؤال جعلني أعتقد جازماً بأن ما كنا نقوله أثناء سنوات الدراسة الجامعية بأننا من بلد الطيب صالح ومحمد الفيتوري، كان اجتهاداً صائباً.
هناك نوعان من الصحافيين الذين يريدون أن يكونوا شيئاً ما، والذين يريدون أن يفعلوا شيئاً ما.
ظني أن شباب الصحافيين الذين سمعتهم في الداخلة يريدون كليهما.
أختم وأقول إن بعض أصحاب النزعة الانفصالية كالوا لي السباب تعليقاً على تدوينة مقتضبة عن زيارة الداخلة، ردي عليهم شعاري الدائم: إنهم يقولون، ماذا يقولون، دعهم يقولون.