هل شباب جهة الداخلة وادي الذهب وسيلة أم غاية في سياسات الاستثمار الجهوي؟

هيئة التحريرمنذ 5 ساعاتآخر تحديث :
هل شباب جهة الداخلة وادي الذهب وسيلة أم غاية في سياسات الاستثمار الجهوي؟

بقلم : الصغير محمد

لنبدأ من السؤال، لا من الإجابة.
هل شباب جهة الداخلة وادي الذهب غاية في السياسات الاستثمارية أم مجرد وسيلة تُستدعى عند التفاوض، ثم تُهمَّش عند توزيع النتائج؟

في كل منتدى اقتصادي، وفي كل لقاء رسمي حول الاستثمار أو التصدير، يُستحضر الشباب بوصفه العنوان الأبرز. يُقال إن المشاريع خُلقت من أجلهم، وإن الامتيازات مُنحت لتشغيلهم، وإن الجهة مقبلة على طفرة اقتصادية ستفتح لهم الأبواب. لكن خارج هذه القاعات، حيث لا ميكروفونات ولا بلاغات، يقف الشباب في مواجهة واقع مختلف: انتظار طويل، فرص محدودة، وإحساس متزايد بأن أسماؤهم يُستعمل أكثر مما يُخدَمون.

يقول آدم سميث:
“أي نشاط اقتصادي لا يعود بالنفع على المجتمع، يفقد مبرره الأخلاقي.”

غير أن ما نراه في جهة الداخلة وادي الذهب يوحي بأن جزءًا من الاستثمار تحرّر من هذا المبرر الأخلاقي. مشاريع تُنجز، دعم يُصرف، ورخص تُمنح، لكن الأثر الاجتماعي يبقى باهتًا، إن لم يكن غائبًا. النمو موجود على الورق، لكن الإدماج غائب في الواقع.

الشباب المحلي اليوم لا يعاني فقط من البطالة، بل من الإقصاء من دورة القرار الاقتصادي. فالمشاريع الكبرى في الصيد البحري، الفلاحة، السياحة، والخدمات، لا تنعكس بالضرورة على التشغيل المحلي. وهنا يتحول السؤال من “لماذا لا يعمل الشباب؟” إلى سؤال أكثر عمقًا: لماذا لا يُشغَّل الشباب؟
المستثمر، سواء كان من أبناء الجهة أو من خارجها، يحصل على تسهيلات بناءً على دفاتر تحملات واضحة، تتضمن وعودًا بتشغيل اليد العاملة المحلية والمساهمة في التنمية الاجتماعية. لكن في حالات كثيرة، يتوقف هذا الالتزام عند حدود الملف الإداري. يصبح الشباب وسيلة لتمرير المشروع، لا غاية من وجودهم. وسرعان ما تتحول وعود التشغيل إلى أرقام غير قابلة للتحقق، أو مناصب مؤقتة، أو فرص لا تصل أصلًا إلى أبناء الجهة.

كارل ماركس كتب ذات مرة:
“حين يُختزل الإنسان في أداة إنتاج، يصبح الفقر نتيجة حتمية.”

وهنا يكمن جوهر الإشكال. فالشباب لا يُنظر إليهم كرصيد بشري يجب الاستثمار فيه، بل كعنصر تكلفة يجب تقليصه. ومع هذا المنطق، لا تكون البطالة عرضًا جانبيًا، بل نتيجة مباشرة لنموذج يفصل الاقتصاد عن العدالة الاجتماعية.

الأكثر خطورة أن معاناة الشباب نفسها أصبحت مجالًا للركوب السياسي والاقتصادي. فهناك من يركب موجة البطالة، ويتحدث باسم الشباب، دون أن يقدم تشخيصًا حقيقيًا أو حلولًا بديلة. تتحول المطالب إلى خطابات موسمية، تُرفع عند الحاجة، ثم تُطوى دون أثر. وفي هذا المشهد، يضيع الشباب بين إدارة تُتَّهم، ومستثمر يشتكي، وفاعلين يفاوضون باسمهم.

ويذكّرنا جون ماينارد كينز بأن:
“على المدى الطويل، سنكون جميعًا أمواتًا، لكن على المدى القصير تُصنع معاناة الناس أو تُخفَّف بقرارات السياسات الاقتصادية.”

في إشارة واضحة إلى أن البطالة ليست قدرًا، بل نتيجة اختيارات آنية، وأن تأجيل حلول التشغيل يعني عمليًا تأجيل حياة جيل كامل.
ومن هنا، فإن المسؤولية لا يمكن اختزالها في طرف واحد.

الدولة مطالبة بربط الامتيازات بالنتائج، لا بالوعود.
والمستثمر مطالب بأن يكون شريكًا اجتماعيًا، لا مجرد مستفيد اقتصادي.
والشباب مطالب بالتمكين، لا بالانتظار الدائم.
السؤال الحقيقي إذن ليس: من المخطئ؟
بل: أي نموذج استثمار نريد؟ نموذج يرى في الشباب عبئًا يجب تقليصه، أم رصيدًا يجب تنميته؟ لماذا لا يتم خلق مقاولات شابة، أو إدماج الشباب في سلاسل الإنتاج، أو نقل الخبرة إليهم، حتى يتحولوا من طالبي شغل إلى فاعلين اقتصاديين؟

إن مشكل الاستثمار، والتصدير، واليد العاملة المحلية، والبطالة، حلقات في سلسلة واحدة. لا يمكن تفكيكها دون رؤية شمولية، ولا يمكن حلها بخطاب معزول عن الواقع.

في جهة الداخلة وادي الذهب، يبقى السؤال مفتوحًا، لكنه لم يعد بريئًا:
هل شباب الجهة وسيلة في سياسات الاستثمار… أم غاية غائبة تنتظر الاعتراف؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة