أزمة التواصل الحكومي… حين تصمت الحكومة ويتكلم الشارع

هيئة التحريرمنذ 3 ساعاتآخر تحديث :
أزمة التواصل الحكومي… حين تصمت الحكومة ويتكلم الشارع

✍️ بقلم: الصغير محمد
📍 جريدة الساحل بريس

في تصريح صادق ولامس الوجدان المهني، وضعت الإعلامية المرموقة سناء الرحيمي القلم في موضع الجرح، حين تحدثت في برنامج بالقناة الثانية ( 2M) ، عن أزمة التواصل الحكومي قائلة إن الوزراء لا يجيبون، والهواتف مغلقة، ومديرات التواصل يعتذرن عن “عدم جاهزية الوزير”. جملة تختصر مأساة في إدارة الخطاب العمومي، حيث يغيب الفعل السياسي لصالح التبرير الإداري، ويغيب الوضوح لصالح الغموض المتعمّد.

نحن أمام حكومة تتحدث حين تريد لا حين يجب، وتختار الصمت في اللحظة التي تحتاج فيها البلاد إلى الكلمة. فالتواصل الحكومي ليس ترفًا بروتوكوليًا، بل هو صلة الوعي بين الحكومة والمجتمع، والخلل فيه ليس شكليًا بل جوهريًا. إن غياب الوزراء عن بلاطوهات النقاش، ورفضهم مواجهة الإعلام بأسئلة الناس، يعبّر عن أزمة في فهم معنى السياسة ذاتها — لأن السياسة في جوهرها هي خطاب قبل أن تكون قرارًا.

الجيل الذي يملأ الشوارع اليوم، جيل Z، لا ينتظر من الحكومة صدقات لفظية أو بلاغات معدّة بعناية. إنه جيل يريد أن يُخاطب لا أن يُوجَّه، أن يُستمع إليه لا أن يُملى عليه. جيل يعرف أدواته، يملك لغته، ويتحرك وفق منطق المشاركة لا التبعية. تجاهله لا يُنتج الهدوء، بل يعمّق الهوة ويزيد منسوب اللامبالاة والغضب.

المفارقة أن الحكومة تواجه هذا الواقع بخطاب مكررٍ ومحدود، يقتصر على بيانات الأغلبية وحديثٍ سياسي “بين نُخبٍ مغلقة”، في حين أن الشارع يعيش تحولات عميقة لا تُقرأ إلا من الداخل. المطلوب اليوم ليس بلاغًا جديدًا، بل مقاربة جديدة للتواصل، تعيد صياغة العلاقة بين الوزير والمواطن على أساس الحوار لا الهيمنة، والإصغاء لا الإنكار.

إن لحظة الاحتجاج ليست دائمًا لحظة رفض، بل يمكن أن تكون فرصة لإعادة بناء الثقة، شرط أن تمتلك الحكومة شجاعة المواجهة، وأن تدرك أن الظهور في بلاطوهات الحوار ليس ضعفًا بل دليل وعي. أما الصمت، في زمن التساؤل، فهو نوع من الانسحاب الرمزي من مسؤولية الحكم.

كما يقال: “الديمقراطية لا تُقاس بصندوق الاقتراع فقط، بل بقدرة المسؤول على الكلام مع الناس، لا عنهم.”
ومن هنا، فإن أزمة التواصل ليست مجرد خلل في الخطاب، بل هي أزمة في فلسفة القيادة وأساليب إدراكها للواقع الاجتماعي.
فالحكومة التي لا تتكلم مع شعبها، تترك له أن يصوغ روايته وحده، وغالبًا ما تكون رواية الغائبين أقل رحمة بالغياب.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة