بدر شاشا
لم يعد امتلاك منزل في المغرب حلمًا سهل المنال كما كان في الماضي، فقد تحولت أزمة العقار إلى كابوس حقيقي يلاحق الأسر والشباب على حد سواء، فمع الارتفاع المستمر في أسعار الشقق والأراضي، وجد الكثيرون أنفسهم عاجزين عن تحقيق الاستقرار السكني، مما أدى إلى تفاقم مشاكل اجتماعية واقتصادية متعددة، وجعل اقتناء السكن امتيازًا لفئات محدودة بدل أن يكون حقًا متاحًا للجميع.
ويعود ارتفاع أسعار العقارات في المغرب إلى عدة عوامل متداخلة، فمن جهة هناك المضاربة العقارية التي جعلت السكن يتحول إلى مجال استثماري مربح بدل أن يكون وسيلة للعيش، حيث أصبحت بعض الشركات العقارية وكبار المستثمرين يشترون الأراضي والشقق بهدف إعادة بيعها بأسعار مضاعفة، مما أدى إلى خلق سوق غير متوازن تتحكم فيه المضاربة أكثر من الحاجة الفعلية للسكن، ومن جهة أخرى، ساهم ارتفاع تكلفة مواد البناء في زيادة أسعار العقارات، فمع تقلبات الأسعار في السوق العالمية وارتفاع تكاليف الإنتاج، باتت الشركات العقارية تلجأ إلى رفع الأسعار لتعويض هذه الزيادات، وهو ما زاد من صعوبة امتلاك السكن
إلى جانب ذلك، فإن قروض السكن التي كانت تعتبر وسيلة لتسهيل التملك، أصبحت بدورها عبئًا إضافيًا على المواطنين، فأسعار الفائدة المرتفعة وشروط البنوك الصارمة جعلت الكثيرين يترددون في الاقتراض، خاصة مع ضعف القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف المعيشة، كما أن البرامج الحكومية التي تهدف إلى دعم السكن الاجتماعي لم تتمكن من حل المشكلة بشكل جذري، إذ غالبًا ما تكون هذه المشاريع بعيدة عن مراكز المدن وتفتقر إلى المرافق الضرورية، مما يجعل الإقبال عليها ضعيفًا، ناهيك عن مشاكل الجودة التي تعاني منها بعض هذه السكنيات، حيث يشتكي العديد من السكان من سوء البناء وضعف الخدمات الأساسية
لكن أزمة السكن لا تتوقف عند الأسعار المرتفعة فقط، بل تمتد إلى مشكل آخر لا يقل أهمية، وهو أزمة الكراء، فالكثير من الأسر والشباب الذين لا يستطيعون شراء منزل يجدون أنفسهم مضطرين للعيش في شقق بالإيجار، لكن حتى هذا الخيار لم يعد متاحًا بسهولة، حيث شهدت أسعار الكراء ارتفاعًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، خصوصًا في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء، الرباط، مراكش، وطنجة، إذ أصبح من الصعب العثور على شقة بسعر معقول، مما دفع البعض إلى السكن في أحياء غير مجهزة أو البحث عن حلول سكنية غير ملائمة
وفي ظل هذه الأزمة، أصبح التساؤل مطروحًا حول دور الدولة في إيجاد حلول فعالة، فهل يمكن للحكومة أن تتدخل لخفض الأسعار وتنظيم سوق العقار؟ وهل يمكن تبني سياسات سكنية جديدة تعيد التوازن لهذا القطاع؟ إن الحلول الممكنة لهذه الأزمة تتطلب تفكيرًا عميقًا وإجراءات عملية، مثل فرض ضرائب على المضاربة العقارية للحد من الاحتكار، وتوفير بدائل سكنية حقيقية تلبي حاجيات المواطنين بأسعار مناسبة، بالإضافة إلى تشجيع التعاونيات السكنية وتعزيز الرقابة على جودة البناء.
وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن أزمة العقار ستزداد تعقيدًا، وستتفاقم معها المشاكل الاجتماعية، حيث سيجد الشباب أنفسهم غير قادرين على تأسيس أسر بسبب عدم قدرتهم على توفير السكن، كما ستزداد معدلات الفقر والتهميش نتيجة إنفاق جزء كبير من الدخل على الإيجار أو القروض، لهذا يبقى من الضروري إعادة النظر في السياسات العقارية في المغرب، ليس فقط لحل أزمة السكن، ولكن أيضًا لضمان العيش الكريم للمواطنين، فالسكن ليس مجرد جدران وسقف، بل هو أساس الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لأي مجتمع.