تصاعدت مخاوف الملاك الجدد، خلال السنوات الأخيرة، تجاه إمكانية التعرض للنصب بعد إتمام عملية الشراء، إذ اكتشف عدد كبير منهم عيوبا غير مرئية خلال مرحلة لاحقة؛ ما عزز أهمية “الاستلام التقني” (Réception Technique)، وهو إجراء مهم يمكن للمشتري اللجوء إليه، ويتم عادة بواسطة خبراء قضائيين، حيث يتيح تقييم حالة العقار قبل نقل الملكية بشكل نهائي؛ ما يمثل وسيلة فعّالة لحماية على حد سواء، وتجنب أية نزاعات مستقبلية حول عيوب أو مشاكل قد تظهر لاحقا.
ويعد التدقيق عند استلام عقار بواسطة خبير قضائي خطوة أساسية في ضمان الحصول على عقار خال من العيوب الظاهرة أو الخفية، خصوصا أن هذا الإجراء يستند إلى أساس قانوني قوي، متمثل في مقتضيات المادة 554 من قانون الالتزامات والعقود، تضع الأساس القانوني لحماية الأطراف المشاركة في المعاملات العقارية، حيث تنص على إمكانية الاتفاق بين البائع والمشتري على إعفاء البائع من ضمان العيوب. ومع ذلك، يظل البائع ملزما برد الثمن إذا ثبت الاستحقاق أو كانت العيوب نتيجة فعل تدليسي من جانبه؛ ما يعزز أهمية إجراء التدقيق التقني قبل إتمام نقل الملكية، كإجراء وقائي يساعد المشتري على التثبت من حالة العقار، قبل أن يتحمل المخاطر القانونية والمالية المرتبطة بملكيته.
وساهم الدعم المباشر للسكن في تحفيز وتيرة الاستثمار في القطاع العقاري، بعد فترة طويلة من الركود وتراجع الطلب، بسبب التضخم وارتفاع أسعار مواد البناء وتدهور القدرة الشرائية للأسر. وشكلت “شقق الدعم” مجالا مغريا لتحقيق أرباح حتى بالنسبة إلى الوافدين الجدد على القطاع، الساعين إلى تحقيق أعلى مستوى من الأرباح مقابل حد أدنى من التكاليف؛ الأمر الذي سلط الضوء على مشكل الجودة في القطاع، وجدد مطالب كانت رائجة بين أوساط الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين حول ضرورة إحداث كتيب للمواصفات التقنية للعقار يوضع رهن إشارة المشتري.
إجراء وقائي
من الناحية العملية، يعتبر “الاستلام التقني” للعقار إجراء اختياريا بالنسبة إلى المشتري، يجري إثارته بالتوافق بين الطرفين؛ فيما يقترحه عدد من الموثقين في إطار البعد الوقائي لعمليات التوثيق العقاري وتجنيب الأطراف أية نزاعات قانونية مستقبلا، ذلك أنه باستخدام هذه الوسيلة يمكن للمشتري حماية استثماره وتفادي أية مشاكل قد تواجهه بعد شراء العقار؛ في حين يتمكن البائع من تجنب أي ادعاءات غير مبررة بعد إتمام الصفقة.. وبالتالي يمثل “الاستلام التقني” أداة قانونية ومالية حيوية لضمان نزاهة وشفافية المعاملات العقارية بالمملكة.
وبالنسبة إلى محمد أورايس، موثق في الدار البيضاء، فإن “نقل الملكية يتم بشكل رسمي عند تسجيل عقد البيع في وكالة المحافظة العقارية؛ ولكن من الناحية العملية، يجب أن يتريث المشتري حتى يتم إجراء الاستلام التقني. وهذه الخطوة تضمن له عدم اكتشاف أية عيوب خفية لاحقا، وهو أمر قد يتحمل تكاليفه بالكامل في حال عدم إثبات وجودها قبل نقل الملكية”.
وأوضح أورايس، أنه في حالة اكتشاف عيوب خفية بعد نقل الملكية قد يضطر المشتري إلى اللجوء إلى القضاء أو التفاوض مع البائع للحصول على تعويض، رغم أن هذه العملية قد تكون معقدة وطويلة؛ ما يجعل الوقاية أفضل من العلاج، حسب تعبيره.
وأضاف الموثق ذاته، في إشارة إلى البعد المالي لإجراء “الاستلام التقني”، أن “التدقيق التقني يتيح للمشتري إثبات وجود العيوب قبل تسليم العقار؛ وهو ما يمكنه من التفاوض مع البائع لتخفيض السعر أو تحمل تكلفة الإصلاحات، مما يقلل من فرص النزاعات بعد البيع”.
ودعا المتحدث إلى تطوير الممارسة التوثيقية، من خلال جعل الإجراء المذكور جزءًا ثابتا في عملية البيع، مع فرضه كشرط أساسي لإتمام نقل الملكية، مشيرا إلى إمكانية إدراج بنود تعاقدية جديدة تضمن حقوق المشتري؛ مثل ربط عملية نقل الملكية بإجراء “استلام تقني” صحيح، وحجز الأموال في حساب ضمان إلى حين التأكد من حالة العقار، وإدراج بنود تسمح بفسخ العقد أو التعويض، في حال اكتشاف عيوب خفية خطيرة.
الخبرة القضائية
مع تنامي السوق العقارية وارتفاع أسعار العقارات، تزايد إقبال الملاك الجدد على طلب خدمات خبراء قضائيين لإثبات أضرار لاحقة اكتشفت في العقارات بعد اقتنائها، لغاية إعداد ملفات طلبات تعويضات في إطار الضمان الممنوح قانونا للملاك خلال فترة زمنية محددة، وعقود التأمين المبرمة بين البنوك والملاك عند تمويل شراء عقار.
وفي هذا الصدد، أوضح سعيد بن عشير، وكيل عقاري في الدار البيضاء، أن “العديد من المشترين باتوا يطلبون إجراء تدقيق تقني شامل للعقار قبل نقل الملكية لضمان سلامة المبنى ومطابقته للمعايير، خصوصا في العقارات الجديدة التي قد تظهر فيها مشاكل في البنية أو الأشغال النهائية بعد فترة وجيزة من الاستلام”.
وأضاف بن عشير، أن “هذا اللجوء إلى الخبراء القضائيين لا يقتصر فقط على العقارات الجديدة؛ بل يشمل أيضا العقارات القديمة التي قد تظهر فيها عيوب مخفية مثل التشققات أو مشاكل العزل المائي. وبهذا، يعد التدقيق التقني ضمانة قانونية ومالية للمشتري، حيث يساعد على اكتشاف أية مشاكل قد تكون خفية بالنسبة إليه، ولكنه يتحمل بالمقابل، تكاليف إصلاحها في المستقبل، إذا لم يتم رصدها قبل استلام العقار”، معتبرا أن التوافق على اللجوء إلى الخبرة القضائية من قبل البائع والمشتري يتيح شعورا بالطمأنينة والوضوح خلال عملية نقل الملكية.
وأفاد الوكيل العقاري في السياق ذاته بأنه، بخلاف الملاك الجدد، يكون تمويل شراء العقار مرتبطا بفحص تقني للعقار؛ فالبنوك والمؤسسات الائتمانية تشترط وجود تقرير خبير قضائي لضمان أن العقار خال من العيوب قبل تقديم التمويل، حيث يضمن هذا الشرط للطرفين (البائع والمشتري) سلامة عملية التمويل.
وأكد أن إجراء الخبرة القضائية، قبل نقل الملكية، يمكن أن يحدد بوضوح أي مشاكل في العقار ويضعها في سياق قانوني، لافتا إلى أنه في حالة اكتشاف عيوب أو مشاكل خلال إجراء الخبرة يتم تحديد المسؤولية على البائع لتصحيح تلك العيوب قبل أن يتم نقل الملكية؛ ما يضمن للمشتري أن يحصل على العقار بحالة سليمة، ووفق ما تم الاتفاق عليه. كما يحمي البائع من المطالبات المستقبلية المحتملة بشأن العيوب التي قد تظهر لاحقا.