بدر شاشا
في السنوات الأخيرة، انتشرت ظاهرة محلات الأكل في الشوارع بشكل ملحوظ في مدننا، حتى أصبحت جزءًا من الثقافة اليومية لكثير من الناس. الألوان الجذابة والروائح الشهية التي تصدر من تلك المحلات تجذب الجميع، كبارًا وصغارًا، لتذوق الطعام السريع المتنوع الذي يُعد أمام أعينهم. لكن وراء هذا الجاذب الظاهري يكمن خطرٌ صحيٌ كبير يهدد المجتمع، إذ تُعد هذه الظاهرة بيئة خصبة للتلوث وانتقال الأمراض.
ففي أجواء الشوارع المزدحمة، حيث تتدفق السيارات في كل لحظة، يحمل الهواء جزيئات ملوثة من عوادم السيارات والغبار الذي يلتصق بالطعام المكشوف المعروض على طاولات غير محمية. تلك الطاولات التي غالبًا ما توضع على الأرصفة المفتوحة مباشرة أمام المارة، تكون عرضةً للرياح المحملة بالأتربة والأوساخ. وهنا لا يمكن لأحد أن يضمن نظافة الطعام، بل يصبح وسيلةً لنقل أنواع متعددة من البكتيريا والفيروسات إلى معدة المستهلك.
ولا تقف الإشكالية عند حدود التلوث البيئي وحده؛ بل تأتي الأيادي التي تلمس المال والعديد من الأسطح الملوثة، ومن ثم تُعِدّ الطعام دون أي اعتبارات صحية أو وقائية، ما يزيد من فرص انتقال الأمراض. فالأيادي التي تتعامل مع الأموال المتداولة يوميًا بين مئات الأشخاص، تصبح محملة بجراثيم لا حصر لها، وعند لمس الطعام مباشرة دون غسل أو تعقيم، تنتقل تلك الجراثيم بسهولة للمستهلك.
ما يزيد من تعقيد هذه المشكلة هو غياب الضوابط الصحية الصارمة على هذه المحلات المتنقلة. فبينما تتطلب المطاعم الكبيرة تراخيص وإجراءات فحص صحي صارمة، نجد أن العديد من محلات الأكل في الشوارع تعمل دون رقابة تذكر. قد تفتقر بعضها إلى أبسط مقومات النظافة، ومع ذلك تستمر في تقديم الطعام للناس الذين يتناولونه بشهية، غير مدركين لما قد يحمله لهم من مخاطر صحية.
الأمراض الناتجة عن تناول طعام الشارع لا تقتصر على التسمم الغذائي وحسب، بل قد تتعداه إلى أمراض معوية مزمنة، وربما أمراض أخرى أشد خطورة على المدى الطويل. كم من مرة سمعنا عن أشخاص يعانون من آلام شديدة بعد تناول وجبة من الشارع؟ بعضهم يُنقلون إلى المستشفيات، وربما يقضون أسابيع أو أشهر يتلقون العلاج جراء تناول وجبة لم تكن نظيفة. وقد يصل الحال بالبعض إلى معاناة طويلة مع آثار صحية تبقى معهم سنين.لكن المفارقة الكبيرة هنا تكمن في الشعبية الكبيرة التي تحظى بها أطعمة الشوارع، حيث يمتزج الطعم اللذيذ والشهي بالرائحة التي تسحر المارة وتدفعهم للتوقف والتذوق. ومع ذلك، يصبح المرء رهينة بين حلاوة الطعم وخطورة العواقب، وكأنها معادلة خانز وبنين وفي السبيطار تبقى مرمي سنين.
وللتعامل مع هذه الإشكالية، ينبغي أن تكون هناك حملات توعية للمواطنين توضح لهم المخاطر الصحية المرتبطة بأطعمة الشوارع غير المضمونة. كما يجب على الجهات المسؤولة وضع قوانين صارمة لمراقبة هذه المحلات وإجبار أصحابها على الالتزام بالشروط الصحية اللازمة لضمان سلامة الطعام المقدم. فمن غير المعقول أن يتعرض الناس لخطر التسمم والعدوى بسبب نقص في الوعي أو ضعف في الرقابة.إن ظاهرة انتشار محلات أكل الشوارع تفرض علينا ضرورة التفكير في حلول طويلة الأمد، فالتلوث البيئي لا يرحم، والأمراض تنتشر بسهولة. وإذا أردنا الحفاظ على صحة المواطنين، فلا بد من اتخاذ إجراءات حازمة تجاه هذه المحلات، وتشجيع الأكل الصحي والنظيف في بيئة آمنة.