تستعد وزارة الداخلية، بقيادة عبد الوافي لفتيت، لإطلاق الجولة الثانية من مشاوراتها مع الأحزاب السياسية، في خطوة حاسمة تهدف إلى بلورة رؤية جديدة للإصلاحات الانتخابية قبيل استحقاقات 2026 التشريعية. هذه اللقاءات، التي ستتم على مراحل، تجمع الوزير وطاقمه من مديرية الشؤون الانتخابية بزعماء الأغلبية والمعارضة، قبل أن تمتد إلى الأحزاب غير الممثلة في البرلمان.
ووفق ما أكدته يومية الأخبار، فإن المشاورات لن تقتصر على تبادل المذكرات، بل ستتوج بمسودات أولية لمشاريع قوانين ستعرض في أكتوبر المقبل على الفرق الحزبية، قبل أن تأخذ طريقها نحو المجلس الحكومي، ثم البرلمان، مباشرة بعد افتتاح الملك محمد السادس للسنة التشريعية في العاشر من الشهر ذاته.
المعطيات المتوفرة تشير إلى أن وزارة الداخلية، عبر مديرية الشؤون الانتخابية برئاسة الوالي حسن أغماري، انكبت على صياغة مقترحات دقيقة تخص فقط انتخابات مجلس النواب. ورغم النقاش الدائر حول رفع عدد مقاعد البرلمان أو إحداث لوائح للكفاءات، فإن الوزارة تميل إلى الحفاظ على البنية الأساسية للقوانين الحالية، مع بعض التعديلات المرتبطة بالتقطيع الانتخابي وعدد المقاعد المخصصة لبعض الدوائر بناءً على نتائج الإحصاء الأخير.
أحد أبرز محاور الإصلاح يتمثل في ما يسمى بـ”تخليق الحياة السياسية”. فالمصادر تؤكد أن الوزارة تدرس آليات لإغلاق الباب أمام المنتخبين المتورطين في قضايا فساد أو اختلاس للمال العام، عبر ميثاق شرف يربط الأحزاب، يمنعها من منح التزكيات لأسماء تلاحقها ملفات قضائية. غير أن هذا التوجه يواجه مقاومة من بعض التنظيمات التي ما تزال تراهن على “أصحاب الشكارة” لضمان مقاعد برلمانية.
الأمر الأكثر خطورة، كما تورد المعطيات ذاتها، هو سعي بعض المنتخبين، المدانين فعلاً في قضايا فساد مالي أمام محاكم جرائم الأموال، إلى العودة مجدداً إلى قبة البرلمان، في وقت ما تزال فيه عشرات الملفات مفتوحة أمام القضاء ضد برلمانيين ومنتخبين متهمين باختلاس وتبديد أموال عمومية أو التلاعب في العقارات.
في المقابل، حسمت الوزارة موقفها بشأن “لائحة الشباب”، مؤكدة أنها لن تعود في الانتخابات المقبلة، وهو ما يثير غضب الشبيبات الحزبية التي تضغط على قادتها من أجل إقرار “كوطا” جديدة. تجربة هذه اللائحة كانت قد أثارت جدلاً واسعاً في الولايتين السابقتين، قبل أن يتم التخلي عنها في انتخابات 2021.
قرار المجلس الدستوري السابق ما يزال يظلل هذا النقاش، حين اعتبر أن لوائح النساء والشباب مجرد تدابير انتقالية، هدفها إدماج فئات معينة في الحياة السياسية، لكنها لا ترقى لأن تتحول إلى قاعدة دائمة في النظام الانتخابي، الذي يقوم أساساً على المساواة وتكافؤ الفرص والاقتراع العام.
وبين حسابات الأحزاب، وضغوط الشارع، وإصرار الداخلية على ضبط قواعد اللعبة السياسية، يبدو أن الاستحقاقات المقبلة لن تكون مجرد عملية انتخابية روتينية، بل محطة لإعادة رسم ملامح الثقة بين المواطن وصندوق الاقتراع.