إلى أي حد تُلبي غرفة التجارة بجهة الداخلة تطلعات المرأة الاقتصادية؟

هيئة التحرير6 أغسطس 2025آخر تحديث :
إلى أي حد تُلبي غرفة التجارة بجهة الداخلة تطلعات المرأة الاقتصادية؟

بقلم : محمد محمود

تلعب المرأة في جهة الداخلة وادي الذهب أدوارًا محورية داخل النسيج الاجتماعي والاقتصادي، حيث أبانت سيدات الأعمال في السنوات الأخيرة عن حضور مميز في مجالات متعددة كالخدمات، التجارة، الصناعات التقليدية، الفلاحة البحرية، والتسويق الرقمي. غير أن هذا الحضور، رغم قوته وواقعيته، لا يزال بحاجة إلى مواكبة مؤسساتية تعكس قيمته وتأثيره في مسار التنمية الجهوية.

وفي هذا السياق، يطرح السؤال نفسه: هل آن الأوان لأن تنخرط غرفة التجارة والصناعة والخدمات بجهة الداخلة في مواكبة الفاعلة الاقتصادية بشكل أكثر دينامية ووضوحًا؟ إن الغرفة، باعتبارها مؤسسة تجمع بين التوجيه والدعم والمواكبة، مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى التعامل مع المرأة الاقتصادية كشريك حقيقي في بناء مستقبل الجهة، لا كفاعل ثانوي أو مكمل.

مبادرات المجلس الجهوي تدفع نحو التمكين

ولعل المبادرات التي أطلقتها جهة الداخلة وادي الذهب، تحت إشراف رئيس المجلس الجهوي الخطاط ينجا، والمتعلقة بتمكين النساء اقتصاديًا، تُمثل أرضية واقعية وجريئة لدفع باقي المؤسسات، وفي مقدمتها غرفة التجارة، إلى الانخراط الجاد في هذه الدينامية الجهوية. هذه المبادرات لم تأت كشعارات عابرة، بل جاءت ضمن رؤية تنموية متكاملة تهدف إلى إشراك المرأة في النموذج الاقتصادي الجهوي، من خلال فتح باب التمكين الاقتصادي في وجه النساء، خاصة في المناطق الهشة والقطاعات غير المهيكلة.

وقد تم إطلاق برامج تمويل خاصة بالنساء حامِلات المشاريع، وإحداث فضاءات لتأطيرهن وتكوينهن في مجال المقاولة، والتدبير المالي، وتسويق المنتجات المحلية، سواء من خلال التكوين الحضوري أو الرقمي. كما بادرت الجهة إلى تخصيص دعم تقني ومادي للتعاونيات النسائية، التي تمثل نموذجًا ناجحًا في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، لا سيما في مجالات الصناعة التقليدية والتحويل الفلاحي.

هذا الانفتاح الجهوي على الطاقات النسائية يعكس وعيًا سياسيًا وتنمويًا بضرورة استثمار نصف المجتمع بشكل فعّال، وهو ما يُلقي بالكرة في ملعب باقي المؤسسات، وفي مقدمتها غرفة التجارة والصناعة والخدمات بجهة الداخلة، لتكون في مستوى هذه الرؤية الاستراتيجية. فالغرفة معنية اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بإطلاق شراكات وتنسيق دائم مع المجلس الجهوي من أجل ضمان التكامل المؤسساتي، وخلق منظومة مواكبة اقتصادية نسائية متماسكة ومستدامة.

وإذا كانت الجهة قد فتحت الأبواب، فإن نجاح هذا الورش رهين بمدى قدرة المؤسسات الأخرى على مواكبة هذا الزخم، وتحويله من مبادرات موسمية إلى برامج عمل مستدامة، تصنع التغيير في العمق، وتكرس ثقافة التمكين كحق وليس كامتياز.

نماذج دولية تؤكد أن المرأة قوة اقتصادية حقيقية

على الصعيد الدولي، تؤكد تجارب عديدة أن الاستثمار في النساء يُفضي إلى تحولات اقتصادية واجتماعية عميقة. ففي رواندا، على سبيل المثال، ساهمت سياسات الدعم الاقتصادي للنساء في خلق نسيج مقاولاتي نسوي قوي، خاصة في القطاع الفلاحي والصناعات المحلية، ما جعل المرأة هناك جزءًا لا يتجزأ من النهوض الاقتصادي للبلاد. وفي الإمارات العربية المتحدة، نجحت سيدات أعمال مثل رجا قطب في تأسيس صناديق استثمار موجهة للنساء، ما مكّن الكثير من الرائدات من تحويل أفكارهن إلى مشاريع واقعية ناجحة ومؤثرة.

وفي المغرب، تبرز أيضًا تجارب ملهمة لنساء انطلقن من مبادرات محلية بسيطة، ونجحن في تطوير مقاولات صغيرة ومتوسطة في مجالات مثل التسويق الرقمي، والصناعات التقليدية، والإنتاج الفلاحي، وهو ما يعكس الإمكانيات الحقيقية للمرأة حين تُوفر لها بيئة حاضنة ومحفزة.

من هنا، تصبح المسؤولية المشتركة، وتحديدًا داخل المؤسسات التمثيلية مثل غرفة التجارة والصناعة والخدمات بجهة الداخلة، أمرًا ضروريًا، ليس فقط لإنصاف النساء، بل لضمان نمو اقتصادي متوازن ومستدام. فتحقيق التنمية الجهوية يتطلب تعبئة كل الطاقات، والمرأة ليست مجرد رقم في الإحصاءات، بل فاعلة وصانعة للتحول.

وعليه، فإن الاستثمار في الريادة النسائية بجهة الداخلة ليس ترفًا تنمويًا، بل ركيزة استراتيجية، يجب أن تُدرَج في صلب اهتمامات غرفة التجارة والصناعة والخدمات بجهة الداخلة، عبر مبادرات عملية تشمل التكوين، المواكبة، التشبيك، وتحفيز الابتكار النسائي. فالغد لا يُبنى بنصف الكفاءات، وإنما بجميع العقول والسواعد التي تشتغل بإصرار من أجل التغيير.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة