يشهد المغرب زخمًا إنشائيًا وخدماتيًا هائلًا في إطار الاستعدادات لاستضافة كأس العالم لكرة القدم لعام 2030.
منذ الإعلان عن فوز المملكة، إلى جانب إسبانيا والبرتغال، بشرف تنظيم البطولة، تحولت المدن المغربية إلى ورش ضخمة تشهد تطويرات شاملة للبنية التحتية الرياضية والسياحية.
هذه المشاريع، التي تمثل قفزة نوعية غير مسبوقة، بدأت في تعزيز قطاعات متعددة، وتأتي كفرصة ذهبية تدفع عجلة النمو الاقتصادي وتؤسس لبنية تحتية من شأنها أن تخدم الأجيال المقبلة، لتسطر معالم تاريخية جديدة في مسيرة التنمية بالمغرب.
ضمن هذا السياق، سجلت مبيعات الإسمنت في المملكة ارتفاعًا كبيرًا، إذ كشف تقرير صادر عن وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان والمدينة أن مبيعات الإسمنت تجاوزت 11 مليون طن حتى نهاية شهر أكتوبر من عام 2024، بزيادة بلغت 8.24% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وتُعد هذه الأرقام مؤشراً واضحاً على الزخم العمراني الذي تعيشه البلاد في هذه المرحلة.
وبلغت مبيعات الإسمنت في شهر أكتوبر وحده 1.302 مليون طن، بزيادة ملحوظة نسبتها 19.75% مقارنة بشهر أكتوبر من العام الماضي، مما يعكس مدى الحراك الاقتصادي الحالي.
وتشمل التحضيرات لمونديال 2030 تطوير مجموعة من الملاعب الكبرى، من أبرزها ملعب “الحسن الثاني الكبير” في الدار البيضاء وملعب أكادير وملعبا مراكش وفاس، وملعب طنجة، فضلاً عن مركب مولاي عبد الله في الرباط، حيث ستجري عمليات تطوير وتحديث شاملة لهذه المنشآت لتتناسب مع معايير الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا”، في سبيل تقديم تجربة رياضية مميزة لعشاق كرة القدم من كل أنحاء العالم.
هذه المشاريع ليست مجرد إنجازات رياضية، بل هي استثمارات تعكس طموح المغرب في تأمين مكانته كوجهة رياضية وسياحية إقليمية ودولية.
إضافة إلى الملاعب، تأتي التحسينات على شبكة الطرق والنقل ضمن أولويات المخطط التنموي، بهدف تسهيل حركة التنقل بين المدن المستضيفة وضمان تجربة مريحة ومتكاملة للزوار.
وتراهن المملكة على تمديد خطوط القطار فائق السرعة “التيجيفي” ليشمل مدينتي مراكش وأكادير، وتوسيع المطارات الرئيسية، بما فيها مطارات مراكش وأكادير وفاس والدار البيضاء، مما يعزز من قدرة البلاد على استيعاب تدفق الزوار المتزايد.
وتتجلى رؤية المغرب الاستراتيجية من خلال بناء مرافق فندقية وسياحية حديثة تضمن للزوار إقامة مريحة وتجربة استثنائية.
وتتوالى الجهود لإنشاء فنادق ومنتجعات سياحية على مستوى عالٍ من الفخامة، مما يسهم في تعزيز قطاع السياحة وجذب الاستثمارات الأجنبية، وهو ما يمثل عائدًا مباشرًا على الاقتصاد الوطني.
وأكد فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، مؤخرا، خلال المناقشة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2025، أن النجاح في تنظيم كأس العالم 2030 ليس هدفًا وحيدًا؛ إذ يستعد المغرب أيضًا لاستضافة سلسلة من البطولات الدولية، بما في ذلك كأس الأمم الإفريقية للرجال في عام 2025، وعدة بطولات لكأس العالم للسيدات، وكأس إفريقيا للإناث في عامي 2024 و2026، وكأس العالم للفوتسال في عام 2028، وكأس العالم للأندية في عام 2029.
لقجع شدد على أن هذه المشاريع لا تقتصر على استضافة الفعاليات فقط، بل تهدف إلى تحقيق استفادة مستدامة عبر توفير بنية تحتية تخدم المواطنين والزوار على حد سواء.
كما أكد أن الملاعب الرئيسية الموجودة حالياً ستشهد تحديثات كبيرة، باستثناء الدار البيضاء التي ستشهد بناء ملعب “الحسن الثاني” الجديد، مما سيشكل إضافة مميزة للمدينة ولفريقَيها الرجاء والوداد وجماهيرهما الواسعة.
وأضاف لقجع أن هذه التظاهرات الرياضية الكبرى تعد شرفًا للمملكة وتساهم في تعزيز مكانة المغرب كمركز رياضي إقليمي ودولي، مما يتيح للمغرب إبراز قدراته التنظيمية واللوجستية.
وأشار الوزير إلى أن المغرب يسعى، عبر استضافة هذه الفعاليات، إلى تحقيق استفادة دائمة من البنية التحتية التي سيتم تطويرها، حيث لا تقتصر الاستفادة على فترة البطولة فحسب، بل ستستمر لتخدم المواطنين والزوار على حد سواء.
من جهة أخرى، شدد لقجع على أهمية ضمان توزيع الفرص والاستفادة على مستوى جميع جهات المملكة، حيث ستتوفر مقرات الفرق المشاركة في المونديال في 32 مدينة مغربية، مما يعكس التزام المملكة باللامركزية والتنمية المتوازنة.
ومع الاستعدادات المكثفة، يشهد قطاع المقاولات المحلي ازدهارًا، حيث تمكنت العديد من الشركات المغربية المتخصصة في البناء والهندسة من الظفر بعقود ضخمة لتجهيز الملاعب والبنية التحتية. يعكس هذا النجاح الكفاءة العالية للشركات المغربية، ويفتح لها آفاقًا جديدة للتوسع محليًا ودوليًا.