بقلم : الصغير محمد
في المشهد الانتخابي بالداخلة وأوسرد عموما، لم يعد النجاح مرهوناً بالشعارات البراقة ولا بالحملات الموسمية التي تختفي بانتهاء التصويت. الناخب اليوم أكثر وعياً، وأكثر حرصاً على اختيار من يمثل قضاياه بصدق. ومن بين الأفكار التي يمكن أن تغيّر معادلة السياسة بالجهة، تبرز آلية “السفير الأسري”: شاب أو شابة من داخل كل بيت، يكون بمثابة همزة وصل بين الأسرة والمنتخب، يعكس حاجاتها الاجتماعية والاقتصادية بشكل دائم، ويمنح المنتخب صورة حقيقية عن واقع المجتمع.
السفير الأسري: قناة غير تقليدية للتواصل
هذه الآلية تتيح للمنتخب تجاوز الحضور المناسباتي إلى حضور يومي متجدد. فبدلاً من أن يطرق باب الأسرة كل خمس سنوات، يصبح على صلة دائمة بها عبر سفيرها الداخلي، ينقل له تفاصيل البطالة التي يعانيها شبابها، أو معاناة نسائها مع ضعف فرص التمكين الاقتصادي، أو احتياجات شيوخها إلى الرعاية الصحية في ظل نقص البنيات الطبية المتخصصة.
بهذا الشكل، يتحول المنتخب من “فاعل بعيد” إلى “عضو من داخل النسيج الاجتماعي”.
الشباب: بين وعود التشغيل وواقع البطالة
في الداخلة، البطالة بين الشباب باتت واحدة من أبرز التحديات. كثير من الخريجين الجامعيين يقضون سنوات طويلة دون أن يجدوا عملاً يليق بمؤهلاتهم، في حين أن بعض المشاريع الاستثمارية التي أُعلنت لم تكتمل أو لم تُحدث العدد الكافي من فرص الشغل.
هنا، يلعب السفير الأسري دوراً محورياً في إيصال هذه الرسائل للمنتخب، الذي يصبح أمامه التزام عملي: دعم مشاريع المقاولة الذاتية، الاستثمار في الصيد البحري بما يضمن إدماج الشباب، وتوسيع آفاق التكوين المهني المرتبط بحاجات السوق المحلي.
النساء: من التهميش إلى التمكين
نساء الداخلة، خصوصاً في الأحياء الهامشية، يعانين من ضعف فرص الشغل، وغياب مراكز تكوين مهني متخصصة في الصناعات اليدوية أو الخدماتية. كثير منهن يجدن أنفسهن محصورات في أدوار تقليدية، رغم قدرتهن على أن يكنّ قوة اقتصادية فعالة.
عبر السفير الأسري يمكن إيصال مطالبهن بدقة، سواء تعلق الأمر بالدعم الاجتماعي للأرامل والمطلقات، أو خلق برامج موجهة لتمويل مشاريع صغيرة نسائية، أو تسهيل ولوجهن إلى سوق الشغل.
المنتخب الذي يتبنى هذا التوجه سيكون أقرب إلى نصف المجتمع الذي ظل صامتاً طويلاً.
الشيوخ: ذاكرة القبيلة ومفتاح الشرعية الرمزية
شيوخ الداخلة وأوسرد ليسوا مجرد ناخبين مسنين، بل هم مرجعيات اجتماعية وثقافية. كثير منهم يعاني من صعوبة الولوج إلى الخدمات الصحية الأساسية، خصوصاً في المناطق البعيدة عن المراكز الحضرية.
السفير الأسري هنا ينقل للمنتخب حجم هذه المعاناة، ويدفعه للبحث عن حلول عملية: تحسين النقل الصحي، إحداث وحدات طبية متنقلة، وضمان رعاية خاصة لهذه الفئة التي تحمل ذاكرة المجتمع ورمزيته.
المنتخب الناجح: من الحضور المناسباتي إلى الحضور الدائم
من أبرز الملاحظات في التجارب السابقة أن بعض المنتخبين لا يظهرون إلا في لحظات التصويت أو في مناسبات محدودة، بينما يغيب حضورهم اليومي عن المجتمع. هذا النموذج بات مرفوضاً لدى الناس.
المنتخب الناجح هو الذي يبني علاقة دائمة مع الناس، حاضر في أفراحهم وأتراحهم، يرافقهم في قضاياهم اليومية، ويعمل على إيجاد حلول ولو جزئية للبطالة، الفقر، وضعف الخدمات الصحية والتعليمية.
آلية السفير الأسري تختصر الطريق، وتجعل المنتخب أقرب إلى الأسرة دون الحاجة لانتظار موعد الانتخابات.
من الشرعية الانتخابية إلى الشرعية المجتمعية
المعركة الانتخابية في الداخلة وأوسرد هي في جوهرها معركة شرعية. هل يظل المنتخب مجرد ممثل قانوني في البرلمان، أم يتحول إلى صوت يومي للمجتمع؟
اعتماد السفير الأسري يضمن للمنتخب انتقاله من شرعية الصندوق إلى شرعية الثقة، حيث يُصبح جزءاً من حياة الناس لا مجرد وسيط سياسي بعيد.
الخلاصة:
المنتخب الذي يطمح للنجاح في الداخلة وأوسرد لا يكفيه المال ولا الخطاب البراق، بل يحتاج إلى آلية مبتكرة تُعيد الثقة المفقودة مع الناخبين. السفير الأسري قد يكون المفتاح الذي يفتح أبواب الشباب الباحث عن شغل، والنساء الباحثات عن تمكين، والشيوخ الباحثين عن رعاية واعتراف.
فمن أراد النجاح، عليه أن يفكر كفاعل اجتماعي قبل أن يكون سياسياً، وأن يدرك أن المستقبل الانتخابي بالجهة سيُبنى على من يملك القدرة على الإنصات، والمواكبة، والاقتراب من الناس في تفاصيل حياتهم اليومية.