إعداد :عبد الواحد بلقصري
تقـــديم عام:
تشير السياسات البيئة إلى المجالات التي توجه فيها السياسات الحكومية أو الدولية نحو تحسين نـــــــوعية البيئة على المستويات الوطنية والإقليمية، لأن هذا المجال يعتبر واسعا فإن التركيز سينصب على استخدام آليات وتقنيات موجهة نحو تعزيز القدرات التشاركية والمؤسساتية لمعــالجة القضايا البيئية بصورة فعالة، من خلال وضع سياسات بيئية فعالة.*1*
تعرف السياسة البيئية أيضا على أنها جزء من السياسة العامة والضرورية لمستقبل إنسان أفضل، كما أن مهمة السياسة البيئة لا تنحصر فقط في معالجة الأضرار البيئية المتواجدة أصلا، وانما تتـــــــــعدى ذلك للمطالبة بتجنب المشاكل البيئية وتحليل الأخطار الناجمة عنها قدر الإمكان، كما تسعى إلى إيجاد وتطوير الإجراءات الضرورية والفعالة لحماية صحة الإنسان وحياته من كافة أشكال التلوث
التي تعكس القواعد والإجراءات التي تحدد أسلوب تنفيذ الاستراتيجية البيئية، مع تحديد مهــام المؤسسات والجهات والوحدات المختلفة المشاركة والمسؤولة عن نتائج هذه الاستراتيجية، وذلك من خلال الأوامر التشريعية الملزمة لكل من هذه الجهات وهي توضح أسلوب تقويم .
مميزات السياسة البيئية في المغرب :
ومن أهم المميزات التي يجب أن تتصف بها السياسة البيئية ما يلي:
• الواقعية أي التعامل مع المشكلات البيئة والقواعد المنظمة لها بشكل ينبع من واقع هذه المشكلات،
• أن تعكس الأهداف البيئية المختلفة وعلى كافة المستويات الرسمية المحلية والعالمية،
• التوافق والتكامل والترابط بين مختلف السياسات المستخدمة في مجال الحفاظ على البيئة في كل المجالات الصناعية، الزراعية، السياسية …الخ،
• أن تكون مرشدة ومعدلة للسلوك البشري سواء على المستوى الفردي، أو الجماعي في القطاعات الاقتصادية أو الخدماتية أو في نواحي الحياة الاجتماعية الأخرى، بحيث تحقق القناعة بأهمية البيئة والحفاظ عليها،
• اعتمادها على أدوات مرنة واقعية قابلة للتنفيذ تعتمد في الأساس على الردع الذاتي والالتزام الطوعي وليس فقط أدوات الردع الرسمية،
• وجود أطر تشريعية تدعم هذه السياسات وتعطي لها الاستمرارية وآليات التنفيذ والمتابعة مع وضع قواعد لمواجهة عدم الالتزام، على أن تراجع هذه التشريعات بصفة دائمة لتنفيذها بما يفسر التطبيق العملي للسياسات البيئية مع عدم إصدار تشريعات جديدة قد تتضارب أو تتكرر مع تشريعات قائمة.[22]
لتحقيق سياسة بيئية ناجحة لابد من توفرها على مجموعة من الاهداف المؤطرة لها، ومن أهم الاهداف نذكر ما يلي:
• نقص الممارسات والأنشطة التي أدت إلى تدهور الموارد البيئة أو تقنين تلك الأنشطة، الشيء الذي يعالج مصادر التلوث وتخفيف أثاره قدر المستطاع؛
• مراعاة الاعتبارات البيئة في الخطط التنموية للقطاعات المختلفة، وتقييم الآثار البيئة في مختلف المشاريع خاصة الاقتصادية.
إن الدور الذي ينبغي على السياسة البيئة أن تلعبه مرتبط بشكل وثيق بالثقافة البيئية، ففي الوقت الذي تطمح فيه السياسة البيئية لحل المشاكل البيئية باستخدام آليات تقنية وادارية، تسعى الثقافة البيئة بالتوازن وباهتمام متزايد إلى إحداث تغيرات في طرق التفكير والسلوك البيئي عند الإنسان بحيث يتصرف كل فرد كأنه صاحب القرار
وبناء عليه فإن السياسة البيئية بارتباطها الوثيق بالثقافة البيئية لها أهداف جوهرية أساسية وأخرى ثانوية ويمكن حصر الأول في:
• إن حماية وحفظ صحة وحياة الإنسان هي التزام وواجب من المفروض أن يؤخذ بعين الاعتبار عند القيام بأي عمل من قبل الحكومة أو المجتمع.
• إن الحماية والتطوير المستدام للنظام الطبيعي والنباتي والحيواني وكافة الأنظمة الإيكولوجية في تنوعها وجمالها، ما هو إلا مساهمة رئيسية من أجل استقرار المنظر الطبيعي العام وكذلك حماية بالتنوع الحيوي الشامل،
• حماية المصادر الطبيعية كالتربة والمياه والهواء والمناخ والتي تعتبر جزءا رئيسيا من النظام البيئي وفي الوقت نفسه الأساس لوجود الإنسان والحيوان والنبات،
• حماية وحفظ الموارد والتراث الحضاري كقيم حضارية وثقافية واقتصادية للفرد والمجتمع*2*
إذن السياسة البيئية الناجحة هي تلك السياسة التي تفتح الطريق أمام إحداث وعي وثقافة بيئية لدى المجتمع، ايضا هي التي تربط النظام الإيكولوجي بالنظام التعليمي، وتربط كلاهما بالنظام الاقتصادي ونظام السوق وتحترم وتشجع المسؤولية الذاتية لكل من نظام السوق والاستثمار، وتعمل على إزالة كافة أشكال البيروقراطية أمام التراخيص الهادفة لتخطيط مشاريع رفيقة للبيئة والإنسان أو تمكن المستثمرين والباحثين من الوصول إلى دراسة وفحص كل النظم واللوائح والمعايير التقنية المتواجدة، وتعطي الضوء الأخضر أمام إدخال آليات جديدة، وكذلك تتقرب من الشركات الصناعية عن طريق تقديم عروض للمشاركة في نظام جماعي مهتم بالبيئة واشراك المواطنين.
تتعدى مهمة السياسة البيئية في معالجة المشاكل البيئية، عن طريق المطالبة بتجنب المشاكل البيئية وتقليل الأخطار الناجمة عنها قدر الإمكان، كما تسعى جاهدة إلى إيجاد وتطوير الإجراءات الضرورة والناجحة لحماية الساكنة من مخاطر وأشكال التلوث*3*
في عام 1972أجمع العالم في المؤتمر المعني بالبيئة البشرية التاريخي في مدينة ستوكهولم السويدية ،الذي يعتبر أول مؤتمر تم الاعتراف فيه بالبيئة كقضية عالمية ملحة ومهد المؤتمر الطـــريق لإنشاء برنامج الامم المتحدة للبيئة يعرف اختصارا ب “يونيب” المصمم لرصد حالة البيئة ،وإرشاد صيغ السياسات بالعلم وتنسيق الاستجابات للتحديات البيئية في العالم ،تقول انقر اندرسون خبيرة البيئة والاقتصاد التي تراس برنامج الامم المتحدة للبيئة اليوم لقد تأسس برنامجنا عام 1972بلغنا الخمسين سنة لطالما كنا الضمير البيئي ،تقدم العلم ،نحكي قصة الكوكب أننا ذلك النســـــــــيج التي ترى فيه الاتفاقيات المتعددة الأطراف بما في ذلك اتفاقية المناخ نفسها مطرزة ،في بداية الثمانينات تنبأ العديد من خبراء برنامج الامم المتحدة للإنماء الاقتصادي والاجتماعي على انه بعد 40 سنة سوف يصبح لدينا لاجئي البيئة على غرار لاجئي الحروب بفضل التغيرات المناخية التي سوف تشهدها البشرية اليوم يعيش العالم أبشع صور هاته التغيرات (جفاف ،تصحر ،تسونامي ،زلازل ….)هاته التغيرات تسببت في أزمات صحية وإنسانية وأثرت بشكل كبير على الأشخاص الذين يعيشون في مناطق هشة وبالرغم من انعقاد العديد من المؤتمرات الأممية حول تغير المناخ إلا أن الدول العظمى التي تسببت في الاحتباس الحراري وثقب طبقة الأزون بفضل الثلوث الصناعي ما زالت تنتهك اغلب الاتفاقيات الدولية وهناك بعض الاتفاقيات لم تصادق عليها .
دور العدالة المناخية :
وهنا تبرز أهمية العدالة المناخية كمصطلح يستخذم لتأطير مسألة الاحتباس الــــــــحراري ضمن إطـــــار القضايا والمــــــــشاكل الســـياسية والأخلاقية بذلا من كونه قضية بيئية آو فيزيائية بحثية في الطبيعة ،وتحدث ذلك عبر ربط تأثيرات الاحتباس الحراري مع مبادئ العدالة الاجتماعية عن طريق استكشاف بعض القضايا المناخية على الاحتباس الحراري مثل المساواة وحقوق الإنسان والحقوق الجماعية والمسؤوليات التاريخية كإحدى الأمور الأساسية التي تطرحها العدالة المناخية .
وتعتبر قضية العدالة المناخية من أهم القضايا التي تطرح ضمن الأجندة الدولية لا سيما التي تعنى بقضايا المناخ ،ويسعى منهج العدالة المناخية إلى :
أولا : التخفيف والحد من غازات الاحتباس الحراري
ثانيا : الحاجة إلى تغير توليد الطاقة وإنتاج السلع وطرق استهلاكها والتعبئة والتخلص منها والتمويل *4*
المغرب ومؤشر الأداء المناخي :
وقد خطى المغرب خطوات مهمة في تحقيق الريادة على المستوى العالمي والافريقي والعربي في مؤشر الاداء المناخي ،حيث حقق الرتبة الرابعة على المستوى العالمي من أصل 60دولة وفقا لتقرير الأداء المناخي لسنة 2023 الذي أعدته المنظمات غير الحكومية جيرمان GERMANWATCH والشبكة الدولية للعمل ومعهد المناخ الألماني الجديد ،حيث أن هذا التقرير قام بتقييم 60دولة بالإضافة إلى الاتحاد الاوروبي وهما مسؤولان عن 90%من انبعاثات ثاني اوكسيد الكاربون ،وقد حصل المغرب على تنقيط أقل من 1.5 درجة مئوية بالنظر الى المجهودات التي يبدلها المغرب في إطار الاستراتيجية الوطنية للطاقة المتجددة وخفض انبعاثات الغاز الدفينة ،المسببة للاحتباس الحراري ،ويرجع الفضل الى السياسة البيئية الناجعة التي يبذلها المغرب المتمثلة في سن العديد من القوانين المنظمة للمجال البيئي والتنمية المستدامة ،إضافة الى تبني استراتيجية وطنية للتنمية المستدامة تتبنى البنوذ السبعة العشر للامم المتحدة ،دون أن ننسى انخراط الفاعلين الدولتيين وغير الدولتيين في هذا الشأن .
إن المغرب جعل المسألة المناخية أولوية كبرى من خلال انخراطه والتزامه باتفاقية باريس ومشاركته الفعالة والعالمية حول المناخ *5*
لائحة المراجع والهوامش :
1- وصال نجيب العزاوي، 2003: ” مبادئ السياسة العامة” دار النشر والتوزيع اسامة، الطبعة الاولى، الاردن، عمان، ص3.
2- جيمس اندرسون :”صنع السياسة العامة” ترجمة: عامر الكبيسي ،ط3، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، الاردن،عمان، 2007، ص 13
3 Thomas R. Dye, Understanding Public Policy: Theories and Issues, Red Globe Press, 2nd Ed, 2019.
4 Corinne larrue : “analyse les politiques d’environnement ; l’harmattan 2000 ; Paris France , p 12_13.
5- بنمير(المهدي) ,” التنظيم الجهوي بالمغرب “, دراسة تحليلية للقانون رقم 96/47 المتعلق بتنظيم الجهات , سلسلة اللامركزية والجماعات المحلية , المطبعة والوراقة الوطنية , مراكش , عدد6 , 1997