بدر شاشا
تعد السياسة الطاقية الوطنية في المغرب نموذجًا استراتيجيًا يسعى إلى تحقيق التوازن بين تلبية الاحتياجات المتزايدة للطاقة وتحقيق الاستدامة البيئية والاقتصادية. إذ يعتمد المغرب رؤية واضحة تهدف إلى تحقيق الانتقال الطاقي تدريجياً من الاعتماد على المصادر التقليدية نحو الطاقات المتجددة، ويعتبر الهيدروجين الأخضر أحد أبرز المحاور التي تراهن عليها المملكة لتحقيق مستقبل طاقي نظيف ومستدام. ويأتي هذا التوجه في إطار التزام المغرب بتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، والوفاء بالتزاماته في اتفاقيات المناخ الدولية مثل اتفاقية باريس، بالإضافة إلى تعزيز مكانته كفاعل رئيسي في مجال الطاقة المتجددة على المستوى الإقليمي والدولي.
إن السياسة الطاقية الوطنية للمغرب ترتكز على استراتيجية محكمة تنسجم مع تطورات السوق العالمية للطاقة، حيث تبنت المملكة سياسة تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة وتحقيق استقلاليتها، مع التركيز على المصادر النظيفة كالطاقة الشمسية والريحية والمائية، وصولًا إلى أحدث التقنيات المتطورة في مجال الهيدروجين الأخضر. فمنذ سنوات، عمل المغرب على تعزيز بنيته التحتية الطاقية من خلال إطلاق مشاريع ضخمة مثل مشروع “نور” للطاقة الشمسية في ورزازات، الذي يُعتبر أحد أكبر المشاريع الشمسية في العالم، ومشاريع مزارع الرياح في طنجة وشفشاون، والتي تساهم في تعزيز نسبة الطاقة المتجددة في المزيج الطاقي الوطني.
ومع التطور السريع الذي يشهده قطاع الطاقة على المستوى العالمي، برز الهيدروجين الأخضر كأحد الحلول الواعدة لمواجهة التحديات المناخية، حيث يُنتج هذا النوع من الهيدروجين من خلال التحليل الكهربائي للماء باستخدام الكهرباء المتولدة من مصادر متجددة، ما يجعله خاليًا من الانبعاثات الكربونية. وقد أبدى المغرب اهتمامًا كبيرًا بهذا المجال من خلال الإعلان عن طموحات كبرى في تطوير قطاع الهيدروجين الأخضر، حيث يهدف إلى الاستفادة من موارده الطبيعية الغنية، من طاقة شمسية وريحية، لإنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره للأسواق الأوروبية والعالمية.
وفي هذا السياق، أطلق المغرب “خارطة طريق الهيدروجين الأخضر”، والتي ترتكز على تطوير سلاسل القيمة المحلية للهيدروجين، وإقامة شراكات دولية مع الفاعلين الرئيسيين في القطاع، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، مما سيمكن البلاد من التحول إلى مركز إقليمي رائد في إنتاج الهيدروجين النظيف. وتهدف هذه الخارطة إلى تحقيق طاقة إنتاجية كبيرة تلبي احتياجات السوق الوطنية والدولية، مع التركيز على تطوير البحث العلمي والابتكار في هذا المجال الحيوي.
إن تبني المغرب لاستراتيجية الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة يعكس التزامًا طويل الأمد بمبادئ الاستدامة البيئية والاقتصادية، حيث تسعى المملكة إلى تحقيق أمنها الطاقي عبر تعزيز استثماراتها في الطاقات المتجددة، وتخفيض التبعية للمصادر التقليدية المستوردة مثل النفط والغاز. كما تسعى السياسات الطاقية إلى خلق فرص عمل جديدة وتحفيز الاقتصاد الوطني عبر تطوير الصناعات المرتبطة بالطاقة الخضراء، ما يساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ومما لا شك فيه أن الانتقال الطاقي الناجح يتطلب تضافر جهود مختلف الفاعلين، سواء من القطاعين العام والخاص، أو عبر الشراكات الدولية، حيث يلعب التعاون مع الدول الأوروبية والآسيوية دورًا أساسيًا في تسريع تنفيذ المشاريع الكبرى للهيدروجين الأخضر، وتعزيز مكانة المغرب في سوق الطاقة النظيفة.
وبفضل الرؤية الملكية السديدة والسياسات الطموحة، يمضي المغرب بخطى ثابتة نحو تحقيق الأهداف الطاقية الوطنية، وجعل الطاقات المتجددة ركيزة أساسية لمستقبل البلاد. فالهيدروجين الأخضر لا يمثل فقط فرصة اقتصادية للمغرب، بل يعد أيضًا حلًا بيئيًا مبتكرًا يمكنه الإسهام في تقليل البصمة الكربونية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.