الصمت أصدق من خطابات المنتخبين بجهة الداخلة وادي الذهب

هيئة التحريرمنذ 3 ساعاتآخر تحديث :
الصمت أصدق من خطابات المنتخبين بجهة الداخلة وادي الذهب

✍️ الصغير محمد
جريدة الساحل بريس

في جهةٍ تعبت من الكلام، حتى فقد الكلام معناه، تتوالى الخطب، وتتزاحم المنابر، وتتناسل التصريحات كما تتناسل المبررات. كلّ شيء يُقال، ولا شيء يتحقّق. الشوارع التي لم تغيّرها برامج المنتخبين، والمشاريع التي لم تتجاوز حدود الورق، تختصر المشهد أكثر من أي بيان أو تصريح. وهنا، يبرز السؤال الجوهري: ما جدوى النقاشات التي لا تُثمر فهمًا، والحوارات التي لا تُنتج تغييرًا؟

الكثير من المنتخبين، على اختلاف مواقعهم، يتحدثون كثيرًا ولا يقولون شيئًا جديدًا. فاللغة السياسية في الجهة أصبحت مشبعة بالشعارات المكررة، بينما يغيب عنها الفعل الواقعي. الكلمة فقدت معناها بعدما تحولت من أداة للتعبير الصادق إلى وسيلة للتغطية على الفشل والتبرير المستمر. المواطن يسمع عن التنمية ولا يراها، ويُوعَد بالإصلاح لكنه يعيش الانتظار ذاته منذ سنوات.

ورغم هذا الجمود الذي طبع أداء المنتخبين، فإن ما قام به الوالي علي خليل في ظرف سنتين فقط من تعيينه والياً على جهة الداخلة وادي الذهب، يُثبت أن الإنجاز ممكن إذا توفرت الإرادة، وأن الفعل يفوق الكلام دائمًا. مشاريع كبرى انطلقت، شوارع أُعيدت تهيئتها، برامج تنموية وضعت على الطريق الصحيح، كل ذلك في وقت قصير مقارنة بما عجز عنه من تقلّدوا مناصب المسؤولية من المنتخبين عبر سنوات طويلة. هذا الفارق يوضح بجلاء أن الكفاءة والالتزام لا علاقة لهما بالمنصب وحده، بل بالنية الصادقة للعمل والقدرة على اتخاذ القرارات المناسبة.

ربما لو سكت البعض قليلًا، لبدأت مرحلة التفكير الجدي. فكما قال نيتشه، الحكمة تكمن في الصمت أمام سطحيّة العقول، وأورويل نبّه إلى عبثية النقاش مع من يرفض الفهم، فيما رأى سيوران أن الناس يثرثرون كثيرًا هروبًا من مواجهة فراغهم الداخلي. هذه الأقوال، وإن قيلت في سياقات فلسفية، تبدو اليوم انعكاسًا دقيقًا لحال السياسة المحلية بجهة الداخلة وادي الذهب.

الخطابات الانتخابية والمجالس الدورية لا تُنتج فكرًا جديدًا، بل تُعيد إنتاج الجمود ذاته. المواطن البسيط بات يدرك أن النقاشات الكثيرة لا تبني طريقًا، ولا تُنير شارعًا، ولا تُحدث فرقًا في معيشته اليومية. لذلك صار الصمت، في نظر كثيرين، أبلغ من كل التصريحات، لأنه يعبّر عن وعيٍ بأن كثرة الكلام لا تعني عمق الفهم.

لقد آن للمنتخبين أن يدركوا أن الصمت ليس انسحابًا من المشهد، بل ارتقاء فوقه. فالصمت الذي يسبق التفكير هو صمت القوة، لا صمت الضعف. حين يصمت المسؤول ليفكّر، يبدأ الفعل. وحين يتكلم دون أن يفكّر، يبدأ التراجع. فالكلمة، حين تنفصل عن الضمير، لا تبني مشروعًا، بل تزيّن خطأ.

في جهةٍ كجهة الداخلة وادي الذهب، الغنية بإمكاناتها والمهمّشة بقراراتها، لا يحتاج الناس إلى مزيدٍ من الكلام، بل إلى قليلٍ من الصدق. الصدق في الفعل قبل القول، في الوعود قبل الحملات، في العمل قبل الصور. التنمية لا تبدأ بالميكروفون، بل بورقة عمل على مكتبٍ نظيف، وإرادةٍ لا تحتاج إلى تصفيق.

المدن لا تُبنى بالشعارات، بل بالصمت الذي يشتغل في الخفاء حتى يتكلم بالنتائج. والمنتخب الذي يعمل بصمتٍ وصدق، يترك أثرًا أطول عمرًا من كل الخطب. أما الذي يُكثر الحديث عن منجزاته، فغالبًا لا يملك منها شيئًا.

إن الصمت الذي نطالب به ليس غيابًا عن النقاش، بل تحررًا من فوضاه. فحين يصمت الضجيج، يبدأ التفكير، وحين يبدأ التفكير، يمكن للجهة أن تمضي نحو مستقبلٍ يستحقها.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة