إنني أتفهم وأقدر بشكل كبير انزعاج وقلق عدد من المواطنين، وأستحضر رغبتهم في قضاء شهر رمضان بشكل عادي كما كانوا من قبل، ولكنها المسؤولية على صحة المواطنين والضرورة التي لا تترك لنا خيارا”، بهذه الكلمات حاول سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، ان يخفف من وطأة قراراته الحكومية في رمضان على إثر إقرار الحظر الليلي والاغلاق في رمضان، وهو القرار الذي تضرر منه فئات اقتصادية في مقدمتها أرباب المقاهي والمطاعم.
وقال العثماني في ثنايا مداخلته في جلسة برلمانية بغرفتيه، إن “الوضعية الوبائية، بفضل الله تعالى، وإن كانت مقلقة، إلا أنها ليست بالخطيرة، ولم تخرج عن السيطرة”.
قبل أن يعود ليؤكد في رده على تدخلات الفرق البرلمانية، بمجلس النواب، بأن الوضع الصحي بسبب كورونا مقلق، لا يقبل دغدغة العواطف، مشددا على ان الحكومة لا تتهرب من مسؤوليتها ولا تتختبئ وراء اللجنة العلمية، لأن مصلحة البلاد هي الأولى، ولابد أن نشعر بالمسؤولية، ونتحلى بالتعبئة الوطنية الشاملة، معتبرا أن اتهامات حكومته هو منطق سلبي يدمر في اعتقاده الوطن، مؤكدا أنه كرئيس للحكومة، يحظى بثقة الملك والشعب والبرلمان وهو لا يتملص من مسؤوليته، مفتخرا باتخاذ هذا قرار الإغلاق في رمضان، موضحا أن قرارات حكومته كانت مرفقة بالمواطنين.
وقال العثماني وهو يكشف تفاصيل اتخاذ حكومته قرار الإغلاق في رمضان، إنها كانت “تأمل من وراء الإبقاء على هذه الإجراءات الاحترازية، ومع تقدم عملية التلقيح وفق الجدولة المبرمجة، أن تتحسن الحالة الوبائية، وأن نبلغ شهر رمضان -يقول العثماني- في وضع يسمح بتخفيف بعض الإجراءات الجماعية، لقضاء شهر رمضان في أجواء تقترب من الحالة العادية، على المستويات الشعائرية والاجتماعية والاقتصادية.
غير أن طبيعة هذا الوباء المتقلبة والمباغتة، بالإضافة إلى التطورات الوبائية والجينومية المقلقة التي عرفتها عدد من البلدان المجاورة، لا سيما مع ظهور سلالات جديدة للفيروس انتقلت إلى بلادنا وانتشرت بعدد من جهاتها، وكذا التباطؤ النسبي الذي عرفته الحملة الوطنية للتلقيح بسبب ما فرضته السوق العالمية للقاحات، كل هذه العوامل وهذه التقلبات دعتنا إلى تشديد الحيطة والحذر”.
وأوضح العثماني، أنه “مع اقتراب حلول شهر رمضان، زادت كل هذه العوامل من استنفار السلطات الصحية والأمنية المعنية، وكذا اللجنة العلمية الوطنية، التي انكبت على تقييم الوضعية وإصدار الآراء ومقترحات القرارات المناسبة. ومن أجل ذلك، خصصت اللجنة العلمية الوطنية اجتماعين، بتاريخ 11 مارس و06 أبريل 2021، لدراسة الوضع الوبائي الوطني وتقييم المخاطر المرتبطة به، على بعد أيام من الشهر الكريم. وعلى إثر هذين الاجتماعين، أصدرت اللجنة العلمية الوطنية توصية بالإجماع تدعو على الاستمرار في التدابير الاحترازية الحالية خلال الشهر الفضيل، حماية المواطنات والمواطنين من خطر موجة أخرى، أو للتقليل قدر الإمكان من الآثار السلبية بسبب موجة جديدة في حالة تأكد حدوثها، وتجنب استحكامها وتطورها في اتجاه ما عرفته بعض الدول، لا قدر الله، خاصة مع ظهور سلالات جديدة ببلادنا”.
كما نبه الخبراء يضيف العثماني، “إلى أن أي تأخر في التفاعل أو أي تراخ قد تكون كلفته باهظة، وأن التحكم في انتشار الوباء يمر ضرورة عبر التقليل من الحركية وتقليل فرص الاجتماع ومددها، لا سيما في الأماكن المغلقة”.
وشدد العثماني، أنه أمام هذه التطورات الوبائية، وأخذا بعين الاعتبار آراء اللجنة العلمية، وآراء السلطات والهيآت المعنية، وبعد التداول والتشاور، وعلى إثر تتبعها المستمر للوضعية وتقييمها، وجدت الحكومة نفسها أمامه جملة من الخيارات لاستقبال شهر رمضان، يمكن تصنيفها إلى ثلاثة خيارات كبرى: اولها التخفيف: وهو الخيار الذي كنا نطمح إليه، وبذلت الحكومة منذ مدة جهودا كبيرة لتحقيق شروطه، حيث كان أملنا أن نتمكن من تخفيف التدابير الاحترازية خلال شهر رمضان، باعتباره الخيار المأمول، والأقل كلفة من حيث تداعياته الاجتماعية والاقتصادية على المواطنين وعلى الاقتصاد الوطني، غير أن شروطه الصحية، مع الأسف، لم تجتمع قبل الشهر الفضيل، رغم كل المجهودات المبذولة من قبل السلطات والمواطنين.
وثانيها يضيف رئيس الحكومة، التشديد: ويعطي هذا الخيار الأولوية بطريقة شبه مطلقة للبعد الصحي، من خلال تطبيق حجر كلي أو جزئي من أجل ضبط سريع للوضعية الوبائية ببلادنا، والحيلولة بقوة دون تطور الموجة الحالية، على غرار ما حققه المغرب بفضل الحجر الكامل سنة 2020.
وهو الأمر الذي نبه العثماني، “أن بعض الدول الأوربية اضطرت لمثل هذه الخيارات، بالنظر لانفلات الوضعية الصحية بها، غير أن الحكومة استبعدت هذا الخيار لكلفته الباهظة اجتماعيا واقتصاديا”.
والخيار الثالث الوسط، ويتمثل حسب العثماني “في الإبقاء، خلال شهر رمضان المبارك، على الإجراءات الاحترازية التي كانت مقررة من قبل، مع تقديم موعد بدء الحظر بساعة انسجاما مع تغيير الساعة الذي اعتمده المغرب خلال هذا الشهر”.
وقد تقرر اعتماد هذا الخيار يضيف العثماني، بخصوص شهر رمضان الأبرك، من” خلال حظر التنقل ما بين الثامنة ليلا والسادسة صباحا، باستثناء الحالات الخا
صة، مع الإبقاء على مختلف التدابير الاحترازية المعلن عنها سابقا”.
وهو القرار الذي تم اتخاذه يشدد العثماني، “بعد تريث وتشاور وإشراك الجهات المعنية، من سلطات صحية وأمنية وسلطات محلية، كما تعمدنا اتخاذه والإعلان عنه قبل حوالي أسبوع من بداية شهر رمضان الأبرك، حتى يتخذ المواطنون والتجار والمقاولات ومقدمو الخدمات ما يلزم من الترتيبات”.
وعاد ليقول العثماني بنبرة الحسرة، “إننا واعون وموقنون بأن هذا القرار صعب على المواطنات والمواطنين، وإن كان عدد منهم يستحسنه من الناحية الصحية. كما أن لهذا القرار كلفة اجتماعية ومجتمعية وإنسانية واقتصادية، لم تجعل اتخاذه أمرا السهل، لكن الزمن وحده كفيل بتأكيد نجاعة القرار الذي تم اتخاذه، وذلك بعد تجاوز هذه الأزمة الوبائية بحول الله بأقل الخسائر في أرواح المواطنات والمواطنين، وربح وقت ثمين للعودة إلى الحياة العادية”.
وقال العثماني إن هذا القرار يسعى إلى تحقيق غايتين أساسيتين:
أولا، الحفاظ على صحة المواطنين وتفادي أي انتكاسة، لا سيما مع الاحتمال المتنامي لازدياد حدة وخطورة المؤشرات الوبائية التي تشهدها بلادنا، والتي وصفها بعض الخبراء ببداية موجة جديدة، فبإجماع الخبراء والمختصين، يقول العثماني، فإن التحكم في انتشار الوباء يمر بالضرورة عبر التقليل من الحركية وتقليل فرص الاجتماع، لا سيما في الأماكن المغلقة.
وعلاقة بالحفاظ على صحة المواطنين، قال العثماني “إن الحكومة تهدف أيضا إلى تفادي إشغال المنظومة الصحية مجددا وبشكل أساسي بمرضى كوفيد، من أجل تخفيف الضغط على الأطقم الصحية والطبية، والتمكن من الاستمرار في التكفل بالمرضى الآخرين”.
أما الغاية الثانية التي يسعى لها قرار الإغلاق الليلي في رمضان، وهو” استشراف تحسن الوضعية الوبائية بالموازاة مع تقدم حملة التلقيح، حيث أمل أن تسهم الإجراءات المتخذة خلال هذا الشهر الفضيل في مزيد من التحكم في الوضعية الوبائية، لعلنا نتمكن من تنظيم الامتحانات الإشهادية في ظروف صحية جيدة، وأن نستقبل الشهور المقبلة في وضع صحي أفضل”.