بدر شاشا
تعد الفلاحة من القطاعات الحيوية في المغرب، إذ تساهم بشكل كبير في الاقتصاد الوطني وتوفر فرص عمل لملايين المواطنين، خاصة في المناطق القروية. ومع ذلك، فإن الفلاحة في المغرب تواجه العديد من التحديات التي تعيق تطورها المستدام، أبرزها التغيرات المناخية، شح الموارد المائية، والتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية بين المناطق الحضرية والريفية. في هذا السياق، برزت الفلاحة التضامنية كأداة استراتيجية لتحسين الوضع الفلاحي وتحقيق العدالة الاجتماعية، خاصة في المناطق الفقيرة والمعزولة.الفلاحة التضامنية هي نموذج مبتكر يعتمد على التعاون بين الفلاحين الصغار، والمؤسسات الحكومية، والمجتمع المدني، بهدف تحسين الإنتاج الزراعي، وتوفير سبل العيش الكريم للساكنة القروية، وتعزيز الاستدامة البيئية. هذا النموذج يختلف عن الفلاحة التقليدية أو التجارية التي تركز على تحقيق الأرباح الفردية فقط، حيث يتمحور حول مبدأ التضامن والتعاون بين الفلاحين لتحقيق مصلحة مشتركة.تعود فكرة الفلاحة التضامنية إلى ضرورة تضمين الفلاحين الصغار في استراتيجيات التنمية، حيث يتم تشجيعهم على التعاون فيما بينهم من أجل مواجهة التحديات التي يواجهونها. وتتمثل هذه التحديات في صعوبة الوصول إلى التمويل، قلة المعارف التقنية، وندرة الموارد الطبيعية. من خلال التعاون، يمكن للفلاحين الصغار تحسين إنتاجهم الزراعي، تبادل الخبرات، وتخفيض التكاليف.تعد الفلاحة التضامنية في المغرب من أبرز استراتيجيات التنمية المستدامة التي تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية للساكنة القروية وتعزيز الأمن الغذائي. وقد تم تبني هذا النموذج في العديد من المشاريع التنموية التي شهدتها مختلف المناطق المغربية، حيث تشارك فيها مجموعة من الفلاحين الذين يزرعون الأراضي معًا ويتقاسمون الأرباح والتكاليف. هذه المشاريع لا تقتصر فقط على الزراعة التقليدية، بل تشمل أيضًا تربية الحيوانات، وإنتاج المواد العضوية، وكذلك معالجة المنتجات الفلاحية.
من أبرز المبادرات التي تدعم الفلاحة التضامنية في المغرب هي الجمعيات الفلاحية التعاونية، التي تشجع الفلاحين على التعاون والتكتل من أجل مواجهة التحديات المشتركة. هذه الجمعيات توفر للفلاحين العديد من الخدمات مثل التدريب على التقنيات الزراعية الحديثة، توفير المدخلات الزراعية بأسعار معقولة، وتسهيل الوصول إلى الأسواق. كما تعمل على تسويق المنتجات بشكل جماعي لضمان بيعها بأسعار عادلة، مما يساهم في تحسين دخل الفلاحين وتقليص الفوارق الاقتصادية بينهم.إلى جانب ذلك، تقوم الحكومة المغربية بتوفير الدعم المالي والفني للمشاريع الفلاحية التضامنية من خلال برامج تنموية، مثل برنامج “مخطط المغرب الأخضر” الذي يستهدف دعم الفلاحين الصغار وتعزيز قدرتهم الإنتاجية. كما تساهم المؤسسات البنكية في توفير القروض التفضيلية لهذه الفئات، ما يمكنهم من الحصول على التمويل اللازم لتطوير مشاريعهم الفلاحية.وتعتمد الفلاحة التضامنية على تعزيز التعاون بين الفلاحين والعديد من الجهات الفاعلة في المجتمع، مثل الجمعيات المحلية، والمنظمات غير الحكومية، والمؤسسات الحكومية. هذا التعاون يسهم في بناء قدرات الفلاحين، وتوفير البنية التحتية اللازمة لهم، مثل توفير مياه الري، وتطوير أسواق جديدة لمنتجاتهم.الفلاحة التضامنية لها أيضًا بعد بيئي مهم، حيث تساهم في تعزيز الممارسات الزراعية المستدامة. يعتمد هذا النموذج على الزراعة البيئية التي تحافظ على التوازن البيئي وتقلل من استخدام المبيدات والمواد الكيميائية. من خلال تبني تقنيات الزراعة العضوية، يمكن تحسين جودة التربة والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.كما أن الفلاحة التضامنية تساهم في تحسين الوضع الاجتماعي للسكان في المناطق القروية. حيث تتيح هذه المبادرات للفلاحين الصغار فرصًا أكبر لتحسين مستوى معيشتهم، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، تساهم الفلاحة التضامنية في تعزيز التنمية المحلية من خلال خلق فرص عمل جديدة، وتحقيق مداخيل إضافية للعديد من الأسر القروية.إحدى التحديات التي تواجه الفلاحة التضامنية في المغرب تتمثل في صعوبة تنسيق الجهود بين مختلف الأطراف المعنية. على الرغم من وجود العديد من المبادرات الناجحة، إلا أن قلة التنسيق بين الجمعيات الفلاحية والحكومة والمجتمع المدني قد يؤدي إلى تبديد الموارد أو عدم تحقيق الأهداف المنشودة. ولذلك، فإن تحسين التنسيق بين هذه الأطراف يعد من العوامل الأساسية لنجاح الفلاحة التضامنية على المدى الطويل.من جهة أخرى، لا يمكن إنكار أهمية التعليم والتكوين في مجال الفلاحة التضامنية. فالفلاحون في العديد من المناطق القروية لا يتوفرون على المعرفة الكافية بشأن أحدث التقنيات الزراعية، ولا يستطيعون الوصول إلى المعلومات الضرورية لتحسين إنتاجهم. لذلك، من الضروري توفير دورات تدريبية مستمرة للفلاحين حول طرق الزراعة الحديثة، واستخدام تقنيات الري الفعالة، وإدارة الإنتاج بشكل أفضل. تمثل الفلاحة التضامنية في المغرب نموذجًا واعدًا لتحسين وضع الفلاحين الصغار وتحقيق التنمية المستدامة. فهي تساهم في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه القطاع الفلاحي، وتعزز من قدرة المجتمع على التكيف مع التغيرات المناخية. نجاح هذه الفلاحة يتطلب تكاتف الجهود بين الحكومة، الجمعيات الفلاحية، والمجتمع المدني، مع التركيز على تمكين الفلاحين من خلال التعليم والتدريب، وتوفير التمويل اللازم لتنفيذ المشاريع الفلاحية التضامنية.