“الكوبالت المغربي”.. الورقة الزرقاء التي تعيد رسم ملامح الاقتصاد الصناعي الأخضر

هيئة التحريرمنذ 4 ساعاتآخر تحديث :
“الكوبالت المغربي”.. الورقة الزرقاء التي تعيد رسم ملامح الاقتصاد الصناعي الأخضر

لم يعد حضور المغرب في مشهد الطاقات المتجددة مقتصرًا على الشمس والرياح، بل امتد ليشمل أحد أعمدة الصناعة المستقبلية: المعادن الحيوية، وعلى رأسها الكوبالت النقي، ذلك “الذهب الأزرق” الذي بات جوهرًا استراتيجيًا في سباق إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية.

في أعماق الجنوب الشرقي، وبالضبط في إقليم ورزازات، ينبض منجم بو عزر بالحياة، كأحد أقدم وأغنى المناجم الإفريقية. هذا المنجم لا يوفّر فقط كميات مهمة من الكوبالت، بل يُنتج معدنًا عالي النقاء يمكن استخدامه مباشرة في بطاريات الليثيوم-أيون دون الحاجة إلى عمليات تكرير معقدة، ما يمنح المغرب ميزة تنافسية نادرة وسط الطلب العالمي المتزايد على هذا المورد الاستراتيجي.

ورغم هذه الوفرة، لا يكتفي المغرب بتصدير المادة الخام، بل يراهن على بناء منظومة صناعية وطنية متكاملة. من وحدات التكرير المحلي إلى مصانع البطاريات ومراكز البحث والابتكار، تسير البلاد نحو تحويل الكوبالت إلى مصدر للسيادة الصناعية، وقاطرة لنمو اقتصادي أخضر ومستدام.

ولأن المغرب يُعد ثاني أكبر مُنتج ومُصدّر للسيارات في القارة الإفريقية، فإن الكوبالت المغربي قد يشكل جسر عبور نحو ريادة إقليمية في صناعة السيارات الكهربائية، مستفيدًا من تطوير البنية التحتية ورفع نسبة الإدماج المحلي، إلى جانب شراكات تجارية مع أكثر من خمسين دولة.

وسط التنافس الدولي المحموم على المعادن النادرة، يتقدّم المغرب خطوة إلى الأمام، متجاوزًا دور المزوّد نحو موقع الفاعل والمُصمّم لقواعد الإنتاج الأخضر. فالكوبالت هنا لم يعد فقط مورداً طبيعياً، بل أداة سيادية لإعادة رسم موقع المغرب ضمن سلاسل الإمداد العالمية.

ومع كل هذه المؤشرات، يظل الرهان الحقيقي في العنصر البشري: تكوين الكفاءات، ودعم البحث العلمي، وتأهيل المهارات القادرة على الابتكار والإنتاج والتأثير في السوق العالمية. فمستقبل “الكوبالت المغربي” لن يُصنع في أعماق الأرض فحسب، بل في عقول الشباب والمهندسين والباحثين الذين سيحملون راية الصناعة الخضراء.

بهذا التوجه، يتحول المغرب تدريجياً من طرف في الهامش إلى قوة فاعلة في قلب التحول العالمي نحو اقتصاد أنظف وأكثر استدامة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة