إن الحديث عن المجتمع المدني يطرح بالنسبة لنا قضية معرفية كبيرة وهي اننا نلتقي مع هذا التعبير عند ثلاثة مفكرين غربيين أساسين :
ــ المفهوم الاول : هو المفهوم الهيكلي للمجتمع المدني والذي ينبني على اساس التمايز بين الدولة كتعبير عن سمو الفرد الى الكونية و المجتمع على اعتبار ان هدا المجتمع هو في حد ذاته بالنسبة لهيكل –مجموعة في المؤسسات التي لها وجود كذلك ككيان فالمجتمع المدني عند هيكل هو كيان يتميز عن الكيان الدولي
ــ أما المقاربة الثانية للمفهوم فنجدها عند جون لوك الانجليزي و الدي يعتبر أحد المفكرين الاساسين في الفكر الديمقراطي ومقاربة جون لوك للمجتمع المدني مقاربة متميزة جيدا وان كانت غير معروفة لدى عديد من الباحثين باستثناء الباحثين في تاريخ الفكر السياسي ويعتبر جون لوك ان المجتمع المدني هو مجتمع المدينة بالنسبة اليه هو مجتمع التحضر و التحضر القانون في علاقة الافراد بعضهم بعض فالمجتمع المدني عند جون لوك يختلف عن المجتمع الساسي لكن مجتمع الدولة لكونه تعرض القانون كمعيار ومرجعية لتنظيم العلاقات الاجتماعية بين الناس و المجتمع المدني هنا هو مجتمع القانون على اساس ان القانون هو ضمان للحرية لا محد له .*1*
أما المــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــقاربة الثالثة فنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــجدها عند غرامشي الذي حاول غرامشي أن يطرح موضوع المجتمع المدني في إطار نظرية السيطرة والهيمنة الطبقية ويستخدمها لإعادة بناء إستراتيجية الثورة الشيوعية أو التــــــــــــــــــحررية، وبالنسبة لغرامشي سواء كان ذلك في كتابه “الأمير الحديث” أو “دفاتر السجن” هناك مجالان رئيسيان يضمنان استقرار سيطرة البرجوازية ونظامها، المجال الأول هومجال الدولة وما تملكه من أجهزة، وفيه تتحقق السيطرة المباشرة، أي السياسة، والمجال الثاني هو مجال المجتمع المدني وما يمثله من أحزاب ونقابات وجمعيات ووسائل إعلام ومدارس وكنائس أو دور عبادة..الخ، وفيه تتحقق وظيفة ثانية لابّد منها لبـــــــــــــقاء أي نظام وهي الهيمنة الأيديولوجية والثقافية، ولذلك لا يكفي للوصول إلى السلطة في نـــظر غرامشي والاحتفاظ بها السيطرة على جهاز الدولة ولكن لابّد من تحقيق الهيمنة على المجتمع، ولا يتّم ذلك إلاّ من خلال منظمات المجتمع المدني وعبر الـــــــــــــــــــــــــــــــــعمل الثقافي بالدرجة الرئيسية، وفي هذا التحليل يبلور غرامشي للــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــحزب الشيوعي الطامـــــــــــــــــــــح إلى السيطرة إستراتيجية جديدة تقول إنّ من الممكن البدء في مــــــــــــــــعركة التــــــــغيير الاجتماعي المنشود، أي الشيوعي، من إستراتيجية ترتكز على العمل على
مســـــــــــــــــــــــتوى المجتمع المدني وتعبئة المثقفين لكسب معركة الهيمنة الأيديولوجية
والثقافية التّي ستلعب دورها في مساعدة الحزب على عبور الخطوة الثانية وهي
السيطرة على جهاز الدولة، ففي مقابل إستراتيجية الانقلاب العسكري
أو شبه العسكري يقترح غرامشي عملـــــــية التربية والتعبئة الشاملة للمجتمع،
أي السيطرة التدريجية .*2*
والفكرية على الأطـــــــراف التّي تنظم علاقاته اليومية، ففي منظور غرامشي،
المجتمع المدني هو المجال الذّي تتجلى فيه وظيفة الهيمنة الاجتماعية مقابل
المجتمع السياسي أو الدولة الذّي تتجلى فيه وتتحقق وظيفة السيطرة
أو القياة المباشرة، ولأنّ الهيمنة مرتبطة بالإيديولوجية فإنّ المــــــثقفين هم أداتها، ومن هنا جاء حاجة غرامشي لإعادة تعريف المثقف وتحليل دوره والــــرهان الكبير
الذّي وضعه عليه في التحويل الاجتماعي، لكن المراهنة على المجتمع المدني لم تلغ عند غرامشي دور الدولة ولا أهمية السيطرة عليها، فالعمل في إطـــــار المجتمع المدني هو جزء من العمل في إطار الدولة وسياسة التحويل في المجتمع والــــــــــــــدولة، لذلك لا قيمة للمثقف عند غرامشي ولا ضمان لفاعليته إلاّ إذا كان عضــــــــوياً، أي إذا ارتبط بمشروع طبقة سياسي، تماماً كما أنّ الهيمنة لا قيمة لها إلا كجزء أو مســـــتوى من
مستويات العمل لتحقيق السيطرة الاجتماعية، إنّها ليست منافية للسياسة ولـــــــــكن
مُكمّلة لها، وإن كانت متميّزة عنها، فالمجتمع المدني والمجتمع السياسي أو الـــــــــــــدولة يسيران جنباً إلى جنب ويجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمع بينهما في كل نظام وحدة ديناميكية السيطرة الاجتماعية.
إن توسع دائرة استعمال المجتمع المدني في حقل الكتابات السياسية العربية يدخل ضمن دائرة العناية المستجدة في الفكر العربي بالمنظومة السياسية الليبرالية، فقد انتعشت في العقدين الاخيرين ظاهرة الدفاع عن أطروحات المفاهيم الليبرالية والليبرالية الجديدة، لأن الملاحظ أن هذه الاعادة لم تعنى بالحفر في الاصول النظرية للمفاهيم المستعملة وفي الاستعمالات الرائجة لمفهوم المجتمع المدني ما يدل على عشوائية استعماله.
ان اغلب الذين يستعملون مفهوم المجتمع المدني؛ يوظفونه في سياق الاستعمال الايديولوجي الرامي الى اصابة غايات ابعد من الاحاطة النظرية بمحتواه، الا ان اطلاقه بدون ضبط ولا تحديد نظريين يساهم في تعميم البلبلة النظرية، وهي نتيجة لا نعتقد بفائدتها بالنسبة لكل الذين يجتهدون لاستثمار الدلالة الرمزية للمفهوم في سياق بناء دعاويهم وصياغة براهين هم فعندم تضيع الملامح النظرية الدنيا للمفهوم تختلط المقاصد السياسية ويصعب ادراكها وإدراك غايتها.
وعندما تتوفر ارادة التأصيل النظري للمفهوم في الفكر السياسي تصبح الحاجة ماسة الى معرفة حدوده وصيرورة تطوره وذلك للتمكن من تجاوز استعماله الأداة الاعتباطي الى مستوى المساهمة في صياغة ابعاده الجديدة المرتبطة بصيرورة المجتمع العربي في علاقته بالدولة السائدة في مختلف اقطاره، وفي هذا بالذات تتحول خصوصية المجتمع العربي الى دائرة فاعلة في مجال اعادة انتاج المفاهيم الفلسفية و السياسية المساعدة على فهم الدولة والمجتمع .
واضح اذن من التقديم السابق اننا نسلم بالدلالية الملتبسة والمتناقضة والمفتوحة لمفهوم المجتمع المدني في دائرة استعمالاته الرائجة في الفكر السياسي العرب المعاصر وضمن هذا الإطار نقدم محاولة اولية في باب حصر الدوائر الفكرية التي ساهمت في صياغة حدوده وذلك بالصورة التي تقربنا من رصد تنوع دلالاته وهو امر مفيد في مجال التاريخ الفكري للمفهوم وقد يساهم في تقليص درجة الارتباك الحاصلة اليوم في مجال تداوله في الكتابة السياسية المعاصرة.
عندما ظهر اذن مفهوم المجتمع المدني في القرن السابع عشر، وفي اطار المنظومة الفكرية السياسية الحديثة، كان يرادف مفهوم الدولة، الدولة باعتبارها اله اصطناعيه، ساعه كبيره ،تتجه نحو ضبط سلوك الافراد ،وحمايه امنهم وسلامتهم وما يملكون، وقد ابرز هوبز ان الانتقال من حاله الطبيعة الى حاله المجتمع المدني، حيث تنشا السلطة السياسية يعني الانتقال من حياه الاقتتال المتواصل الى حاله الامن والسلم.
وقد وضح كل من جون لوك وجان جاك روسو اهمية المجتمع المدني كمحصلة للتعاقد في تنظيم المجتمع انطلاقا من شرعية المصلحة وضد كل وصاية سماوية.*3*
اما فيما يخص التطورات التاريخية للمجتمع المدني بالمغربي، فتمت تنظيمات اجتماعية كثيرة بالمجال الحضري والقروي والدور الذي لعبته الاعراف والتقاليد في تشكيل هده التنظيمات
لكن المغرب في مرحلة الحماية سيقنن مجال عمل الجمعيات بعدما شعرت السطات الحماية بارتفاع عدد التنظيمات السرية التي اخذت المقاومة كهدف اهم لها سارعت الى اصدار ظهير شريف سنة 1914 وهو مأخوذ من القانون الفرنسية ل1 يوليوز 1901 حتى تتمكن من ضبط هده التنظيمات، وبالتالي تمكين شخصين او اكثر ان يؤسسا جمعية شريطة ان لا تهدف الى توزيع الارباح بين اعضائها او المس بالأخلاق العامة وامن الدولة وان العمل الجمعوي في مرحلة الحماية هيمنت عليه الغيرة الوطنية ولم يخلق لنفسه برامج متميزة عن الحركة الوطنية .
وقد عرف ظهير 1914 عدة تغييرات وصولا الى ظهير 15 نونبر 1956 الذي من خلاله ثم تثبيت الدائم الاساسية المتعلقة بالحريات العامة في مغرب ما بعد الحماية وهو مستمد في اغلبه من القانون الفرنسي المنظم للجمعيات والصادر سنة 1901، وسيعرف ظهير 1958 هو بدوره تغييرات كثيرة ثم ابرازها في ظهير 10 ابريل 1973 وخاصة على وجه التحديد القسم المتعلق بحرية الجمعيات .
لقد استمرت الجمعيات في شكلها التقليدي، ولم يستطيع النسيج الجمعوي في المغرب انتاج جمعيات جديده قادر على التطوير من ادائها والانتقال من دور تقديم المساعدات والاعانات الى حمل مشاريع تنموية بقدر كبير من المهنية . الا ان سنوات الثمانينات عرفت تميزا كبيرا بميلاد صنف جمعوي جديد، تختلف من حيث البناء التنظيمي والاهداف المنشودة وطرق الاشتغال واداره المشاريع ثم الفئات المستهدفة من تدخلاته، ومن هنا كانت الحاجه الى اجراء تعديل جديد على قانون الحريات العامة بهدف مواكبة التحولات التي عرفها المغرب على مختلف الأصعدة، ثم تطوير العمل الجمعوي بالمغرب تتجلى في مجمل السياسات التي اتبعها المغرب في مجال التنمية، والتي اثبتت اخيرا فشلها الملحوظ لان الدولة كانت تتبنى تنميه تفرض من الاعلى الى الاسفل، حيث ترتكز اولوياتها اكثر على توفير المواد الغذائية او مدهم بالخدمات.
كما أن قانون الحريات العامة بالمغرب ركز إهتمامه على التوجيه والاخذ بالعمل الجمعوي الى تطوير قدراتهم ووظائفهم؛ إذ يتم من خلال مؤسسات المجتمع المدني بلوره مواقف جماعية من القضايا والتحديات التي تواجه اعضائها وتمكنهم من التحرك جماعيا لحل مشاكلهم وضمان مصالحهم على اساس هذه المواقف الجماعية تمارس هذه الوظيفة بشكل اساسي من خلال النقابات المهنية والغرف الفلاحية اي ما يعرف في جماعه الضغط للدفاع على مصالح هذه الهيئات من خلال هذه الوظيفة يتعلم الاعضاء كيفيه بحث مشاكلهم ودراسة الاوضاع القائمة في المجتمع وتحديد كيفيه الحفاظ على مصالحهم في مواجهه مصالح فئات اخرى وصياغتي مطالبها المحددة الثالثة وظيفه حسم وحل الصراعات حيث يتم بوسائل وديه دون اللجوء الى الدولة وبذلك فان مؤسسات المجتمع المدني تجنب اعضائها الجهد والوقت وتساهم في تقويه اللحمة والتضامن الجماعي في ما بينهم واذا كانت الديمقراطية بالمفهوم الإجرائية لها هي صفه الإدارة الصراع في المجتمع بوسائل سلميه فان حل المنازعات بين الاعضاء وبوسائل الودية داخل مؤسسات المجتمع المدني هو اساس ممارسه الصراع سلميا على مستوى المجتمع بين الطبقات والقوى الاجتماعية والسياسية.
المراجع والهوامش :
1-T .HOBBES ;levrithon traduction François tricoud (paris ED SCERY 1976 PAGE 124.
T .HOBBES ;levrithon traduction François tricoud (paris ED SCERY 1976 PAGE
3-T .HOBBES ;levrithon traduction François tricoud (paris ED SCERY 1976 PAGE 125)