المغرب: الأغلبية والمعارضة تنجحان في عزل «العدالة والتنمية» قائد الائتلاف الحكومي

هيئة التحرير5 مارس 2021آخر تحديث :
المغرب: الأغلبية والمعارضة تنجحان في عزل «العدالة والتنمية» قائد الائتلاف الحكومي

الطاهر الطويل 

أجمعت أحزاب الأغلبية والمعارضة في المغرب على محاصرة نفوذ حزب «العدالة والتنمية» قائد الائتلاف الحكومي، وفوتت عليه مُسبقًا فرصة تصدّر نتائج الانتخابات التشريعية للمرة الثالثة، بعدما نجحت في تمرير التعديل المقترح في مشروع قانون الاقتراع، والمتمثل في احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المواطنين المسجّلين في القوائم الانتخابية، وليس على أساس عدد المشاركين في التصويت، وهذه الصيغة التي كانت معتمدة طيلة الاستحقاقات التشريعية السابقة، يصرّ حزب رئيس الحكومة سعد الدين العثماني على التمسك بها وحده في معركة غير متكافئة.
فخلال اجتماع للجنة الداخلية في البرلمان، مساء الأربعاء، صوّت 29 نائبًا لصالح التعديل، مقابل اعتراض 12 نائبًا ينتمون إلى فريق «العدالة والتنمية» الذي وجد نفسه وحيدًا في مواجهة الإجماع الحزبي. فهل سينفذ الحزب الإسلامي «تهديده» بالتصويت ضد القانون التنظيمي لمجلس النواب؟ فقد سبق لسليمان العمراني، نائب الأمين العام، أن أعلن أن فريقَي حزبه في مجلسي النواب والمستشارين سيصوتان ضد مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب، مؤكدًا رفض حزبه المساس بالقاسم الانتخابي.

مستقبل الديمقراطية في المغرب

وترى أمينة ماء العينين، النائبة البرلمانية والقيادية في حزب العدالة والتنمية، أن اعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين «عصف بكل المكتسبات الديمقراطية الهشة التي نجح المغرب في ترسيخها». وكتبت في تدوينة على «فيسبوك» أن قراءة هذا المتغير «الخطير بربطه بحسابات الخريطة الانتخابية، أو بهزم العدالة والتنمية انتخابياً، هو تحريف للنقاش».
وأكدت أن نقاش القاسم الانتخابي يُعتبر في العمق «نقاشًا سياسيًا، يهم مستقبل الديمقراطية ومعنى العملية الانتخابية بغض النظر عن الفائز في الانتخابات». كما اعتبرت أن القاسم الانتخابي المقترح «لا يخلق تقاطبًا من وجهة نظري بين من مع العدالة والتنمية، ومن ضدها، وإنما يخلق تقاطبًا بين من مع الديمقراطية، ومن ضدها» واستطردت قائلة: «قد ينهزم العدالة والتنمية وقد ينتصر، وقد يتجاوز وضعه الداخلي المأزوم، وقد لا يفعل، لكن الأكيد أنه سيصعب في المستقبل تدارك خطأ قاتل، يمس بمبادئ الديمقراطية الكبرى».
وتعتقد حنان رحاب (النائبة البرلمانية عن حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية») أن احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين لا عدد المصوتين سيساهم في إحداث مجموعة من التغييرات الإيجابية مرحليًا ومستقبليًا، إذ سيؤمّن تمثيلية للأحزاب المتوسطة أولاً وللأحزاب الصغرى أيضًا في إطار المقاعد المتنافس عليها، وهي -بخلاف ما يراه البعض- رقم مهم في الديمقراطيات، لأنها تلعب أدوار الترجيح والاقتراح، وتضمن الحد الأدنى من توفر شرط التعددية، وقد أثبتت النتائج الانتخابية في عديد من الدول الأوروبية صعودًا انتخابيًا للأحزاب الصغيرة أو الجديدة، ولذلك لا يجب أن يكون نمط الاقتراع عاملًا في اندثارها.
وأضافت في تدوينة على «فيسبوك»: «لن يؤثر هذا النمط على تحديد الحزب المتصدر للانتخابات، فذاك الذي يمكن أن يتصدرها عبر نمط يتبنى احتساب القاسم على أساس المصوتين هو نفسه الذي سيفوز بها على أساس عدد المسجلين. نعم، قد يفقد مقاعد، لكنها لن تكون مؤثرة على تصدره الانتخابات، كما لن تكون ذات تأثير لافت في رسم التحالفات البعدية المؤدية إلى إفراز أغلبية حكومية».
واستطردت قائلة: «قد يرفع هذا النمط من نسبة التصويت، إما بفعل تحرك الأحزاب نحو البحث عن أصوات أكثر لتأمين تلك النتائج التي كانت تحصل عليها بمجهود أقل، أو بسبب أن فئة من المقاطعين بسبب اللامبالاة أو لأي سبب من الأسباب قد تقتنع بجدوى المشاركة حماية من جعل أصواتها غير المعبر بسبب الامتناع عن التصويت تذهب لصالح لوائح في عملية التوزيع هي لا تريد أن تمثلها».في حين يرى نبيل شيخي (رئيس فريق «العدالة والتنمية» في مجلس المستشارين) أن القاسم الانتخابي ليس مسألة تقنية، وأوضح في مقال منشور في صحيفة «أخبار اليوم» المغربية أنه «عندما طُرح موضوع احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية، لم أصدق يومًا أن من اقترحوه جادون في مسعاهم، إلى أن تم تقديمه من قبل فرق الأغلبية والمعارضة باستثناء فريق العدالة والتنمية. عدم تصديقي ارتبط أساسًا من جهة بكون هذا المقترح الهجين سيشكل اختراعًا غريبًا تفتقت عنها عبقرية هؤلاء التي لم تأبه بأن ما تم اقتراحه يشكل نشازًا وانقلابًا على ما تعارفت عليه تجارب الأنظمة الانتخابية العالمية في هذا المجال. كما ارتبط عدم تصديقي من جهة أخرى أنه في اللحظة الحاسمة سيحضر العقل وستتدخل الحكمة من مستويات مختلفة، ولن يقع التمادي في مسار سيسهم في تقويض ما راكمناه ضمن مسار تجربتنا الديمقراطية الفتية».
وتابع قائلاً: «من حقنا أن نتساءل إذا تم الإصرار على هذه الحماقة المحكومة بنزعة مزهوة باكتشاف موهوم وغير آبهة بمآلات هذا المسعى الذي نتحدى من هم ماضون فيه أن يقدموا لنا نموذجًا وا
حدًا لدولة عبر العالم اعتمدت أو سبق أن اعتمدت احتساب القاسم الانتخابي بهذه الكيفية التي تضرب في العمق المبادئ الدستورية المرتبطة بأسس تعبير الأمة عن إرادتها. وتضمن المقال التساؤلات التالية:
«هل سيبقى معنى للمشاركة في تنافس انتخابي لا يعطي قيمة لما تبذله الأحزاب الجادة من جهود من أجل كسب ثقة المواطنين، ما دام سيتم التسوية بينها وبين أحزاب أخرى لم تبذل نفس الجهد ولم تحظ لدى المواطن بدرجة الثقة نفسها؟ ألا تكفيكم المفارقة الصارخة لإسقاط تطبيق هذا القاسم على إحدى الدوائر الانتخابية وفق نتائج الانتخابات النيابية السابقة والتي سيستوي فيها الحزب الذي حصل على أزيد من ثمانين ألف صوت مع الذي حصل على أقل من ثلاثة آلاف صوت؟
هل ستبقى للمواطن ثقة في العملية الانتخابية ما دامت تسوّي بين صوته وصوت من قاطع الانتخابات ولم يكلف نفسه عناء التمحيص والاختيار بين المرشحين واستكان في بيته متفرجًا؟هل سيحق لنا بعد ذلك أن نتحدث عن الانتخابات كمحطة للتعبير الحر والنزيه عن إرادة الأمة، ما دام هذا التعبير سيتم الالتفاف عليه من خلال السطو على الإرادة الحقيقية للمواطنين عبر تمييعها باحتساب الكتلة المعتبرة ممن يقاطعون الانتخابات؟
هل ستبقى لنا القدرة، في ظل هذا الاقتراح الهجين، للدفاع عن تجربتنا الديمقراطية والحديث عن تميزها أمام المنتديات والمحافل الدولية، والإقناع بنمط اقتراع شارد لا مثيل له عبر العالم وتحكمت فيه هواجس أضحت معلومة لدى الجميع، وسيصبح لا محالة مادة للتندر ستمس بصورة المغرب وستنال مما راكمته من مكتسبات منذ الخطاب الملكي في 9 مارس 2011 ومنذ التصويت على الدستور في السنة نفسها؟
وأضاف المستشار البرلماني: «المسألة ليست تقنية بسيطة وليست متعلقة بمن هو مع هذا الاقتراح ومن ضده، وليست أيضًا سهلة بالشكل الذي يتصوره مهندسو هذا الاصطفاف العجيب الغريب. ما يقع يحتاج إلى قدر كبير من الوضوح والصراحة في توصيفه، والذي يشكل مع الأسف انحرافًا خطيرًا ظاهره اختلاف حول القاسم الانتخابي ومضمونه الحقيقي انقلاب على الديمقراطية وسعي واضح للالتفاف القبلي على الإرادة الشعبية، ويعكس في الجوهر مدى عجز البعض عن الاحتكام إلى قواعد التنافس الديمقراطي وفق القواعد المتعارف عليها عالميًا.
وأوضح أن «السؤال الكبير الذي يلزم طرحه اليوم بمناسبة هذا السقوط المريع هو من مع الديمقراطية ومن مع الإمساك بمعول الشروع في تقويض ما راكمته بلادنا على طريق البناء الديمقراطي». وختم بيانه بالقول: «يكفي حزب العدالة والتنمية فخرًا أن موقفه بهذا الخصوص كان واضحًا منذ اليوم الأول من خلال مذكرته الانتخابية، وازداد وضوحًا عندما رفض رئيس الحكومة تضمين هذه الخطيئة في مشروع القانون التنظيمي الذي رفع إلى المجلس الوزاري، وتكرس هذا الوضوح عندما أعلن الحزب عن أن فريقَيه بغرفتي البرلمان غير مستعدين لتزكية هذا العبث».
كما كتب الصحافي والمحلل السياسي مصطفى الفن تدوينة جاء فيها: «من حق الأحزاب الصغرى أن «تناضل» من أجل اعتماد القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين وليس على أساس المصوتين. كل هذا مفهوم ومتفهم، لأن هذا القاسم سيسمح لهذه الأحزاب الصغرى بتكوين فريق برلماني وربما بالحضور الشكلي والرمزي داخل البرلمان.
أكثر من هذا، فالأحزاب الصغرى لا تكره أن يكون القاسم الانتخابي ليس على أساس عدد المسجلين فقط؛ بل إنها لا تكره أن يكون القاسم الانتخابي على أساس عدد سكان المغرب وربما على أساس عدد سكان شمال إفريقيا أجمعين. وهذا «حقها» حتى وإن كان حقًا أريد به باطل وهو «هزم» فاعل سياسي بعينه» في إشارة إلى حزب «العدالة والتنمية».

المؤسسات الدستورية

ويرى الصحافي المذكور أن تكلفة هذا الاختيار «باهظة» وتتمثل ـ باعتقاده ـ في «إفراغ الدستور ومعه كل المؤسسات الدستورية المنتخبة من أي مضمون ديمقراطي». وأعاد التذكير بأن أول حزب سياسي طرح سيرة هذه «البدعة» غير الحسنة المتعلقة بالقاسم الانتخابي هو «حزب القوات الشعبية: الاتحاد الاشتراكي» وأضاف قائلًا: «لكنني لم ولن أفهم أن «تنخرط» حتى الأحزاب الكبرى في الدفاع عن اعتماد القاسم الانتخابي على الرغم من أنها ستفقد مع هذا الإجراء بضعة مقاعد برلمانية قد تكون حاسمة في تشكيل الحكومة».
وفسر ذلك بالإشارة إلى أن طموح أي حزب سياسي هو أن يتصدر المشهد السياسي، وأن يكتسح الانتخابات، وأن يشكل حكومة منسجمة بأقل عدد من الأحزاب.
وتساءل: «لكن ماذا يعني أن نرى في المغرب كيف أن أحزابًا كبرى تدافع بـ»روح قتالية عالية» عن الأحزاب الصغرى، عوض أن تدافع عن نفسها وعن تحصين عدد مقاعدها البرلمانية؟ ليجيب: هذا له معنى واحد لا ثاني له، وهو أننا نبعث برسالة سلبية عنوانها العريض هو أن بعض الأحزاب، سواء كبرى أو صغرى، مازالت ربما غير قادرة على صناعة قراراتها في القضايا الحساسة بدون نزول «الوحي».

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة