بين الاستغلال والتجاهل: معاناة نساء النظافة والأمن الخاص في المغرب

هيئة التحرير4 سبتمبر 2024آخر تحديث : الأربعاء 4 سبتمبر 2024 - 5:35 مساءً
هيئة التحرير
مقالات الرأي
بين الاستغلال والتجاهل: معاناة نساء النظافة والأمن الخاص في المغرب

بدر شاشا

sahel

نداء لوزارة التشغيل ضرورة هيكلة شاملة لعقود العمل وتكثيف المراقبة الصارمة في هذه الأوقات العصيبة، تجد نساء النظافة والأمن الخاص أنفسهن أمام واقع مرير لا يعكس الجهد الكبير الذي يبذلنه يوميًا. فنساء النظافة يعملن ثماني ساعات متواصلة، بينما يقضي رجال ونساء الأمن الخاص اثنتي عشرة ساعة في مواقع عملهم، ومع ذلك، فإن المكافأة التي يتلقونها لا تكاد تكفي لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
كيف يمكن أن يقضي الإنسان ثماني أو اثنتي عشرة ساعة في العمل، ثم يجد نفسه أمام أجر بخس، لا يضمن له العيش الكريم، ولا يوفر له حتى أدنى متطلبات الحياة؟ هذا الواقع يجعل من العمل عبئًا ثقيلًا بدل أن يكون مصدرًا للرزق والكرامة.
وزد على ذلك، أن أغلب هؤلاء العاملات والعاملين لا يتمتعون بتغطية صحية، ولا يتم التصريح بأجورهم كما يجب. هذه الشريحة الكبيرة من المجتمع تجد نفسها بين مطرقة العمل الشاق وسندان التجاهل القانوني. ففي كثير من الأحيان، لا يتم احترام حقوقهم الأساسية، ويُتركون بلا حماية قانونية تذكر.
وإذا انتقلنا إلى الكاتبات اللاتي يعملن لدى الأطباء، نجد أن نصفهن على الأقل يعملن بدون عقود عمل، وبدون تصاريح رسمية. هذه الوضعية تزيد من هشاشتهن الاقتصادية والاجتماعية، وتجعل منهن عرضة للاستغلال دون رقيب.
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال محير: أين هم مفتشو الشغل؟ هل أصبح من الضروري أن نتحول نحن إلى مفتشي شغل لنعوض غيابهم؟ أليس من واجبهم أن يحموا هؤلاء العمال والعاملات من الاستغلال؟ إن غياب الرقابة والتفتيش يعمق من جراح هذه الفئة ويتركها تتخبط في دوامة من الظلم والتجاهل.
إن واقع نساء النظافة والأمن الخاص والكاتبات لدى الأطباء يعكس صورة قاتمة لواقع العمل في المغرب، حيث يفتقد الكثيرون للحماية والحقوق الأساسية، في وقت يجب أن يكون فيه العمل مصدرًا للعيش الكريم وليس مدخلًا للمعاناة.
أما العاملون في قطاع الفلاحة، فالوضع لا يختلف كثيرًا، بل ربما هو أكثر قسوة. هنا، لا حديث ولا حرج، فهؤلاء الناس لا يحسبهم أحد ولا يهتم بهم. إنها قصة تُكتب بألم، حيث تُهمل حقوقهم ويُغض الطرف عن معاناتهم، في حين يتم التركيز على أخطاء صغيرة لا توازي ما يتحملونه من صعوبات.
بدر شاشا باحث
إصلاح الإدارة العمومية: ربط الأجر بالعمل ورقمنة الحضور لتحقيق كفاءة ونجاح إداري
في زمن أصبح فيه الكسل والغياب عن العمل في الإدارات العمومية ظاهرة تثير القلق، يتوجب علينا الوقوف عند هذا الواقع ودق ناقوس الخطر. إن العمل في الإدارة العمومية هو خدمة للمواطنين وليس مجرد وظيفة تؤدى فيها المهام بشكل روتيني. ولكن للأسف، نرى أن التهاون والتقصير أصبحا سمة سائدة في كثير من الإدارات، مما يؤثر سلبًا على جودة الخدمات المقدمة ويزيد من استياء المواطنين.
الحل الأمثل لمواجهة هذه الظاهرة هو ربط الأجر بالعمل في الإدارات العمومية. بمعنى أن يكون هناك تقييم دوري لأداء الموظفين، يتم على أساسه تحديد الأجور والحوافز. يجب أن يعلم كل موظف أن أجره مرتبط بمستوى التزامه وإنتاجيته، وأن التهاون والغياب سيكون لهما أثر مباشر على دخله. هذه الخطوة من شأنها أن تشجع الموظفين على الاجتهاد في عملهم والالتزام بساعات العمل المحددة.
أصبحت الرقمنة ضرورة لا غنى عنها في هذا السياق. يجب أن يتم رقمنة نظام دخول وخروج الأساتذة والموظفين الإداريين، وكذلك العاملين في الجماعات الترابية والبلديات. هذه الرقمنة ستسمح بتتبع الحضور والغياب بشكل دقيق، وستضع حدًا لظاهرة التسيب التي يعاني منها المواطنون. كما أن تطبيق هذه التقنية سيسهم في تحسين الأداء الإداري ويعزز من ثقة المواطنين في الإدارة.
إن المواطنين يستحقون إدارة عمومية تعمل بكفاءة واحترافية، إدارة تستجيب لاحتياجاتهم وتوفر لهم الخدمات الضرورية بجودة عالية وفي الوقت المناسب. وهذا لن يتحقق إلا من خلال محاربة التهاون والعمل على خلق جيل جديد من الموظفين الذين يدركون أهمية دورهم ومسؤوليتهم تجاه المواطنين.
لقد حان الوقت لتغيير النظرة التقليدية للعمل في الإدارة العمومية. يجب أن يصبح الالتزام والانضباط هما العنوانان الرئيسيان لهذه المرحلة. من خلال ربط الأجر بالعمل وتطبيق الرقمنة في مراقبة الحضور والغياب، سنتمكن من بناء إدارة عمومية قوية وفعالة، قادرة على تحقيق النجاح الإداري الذي نتطلع إليه جميعًا.
هذا النجاح لن يولد من فراغ، بل هو نتيجة لجهود مستمرة وإصلاحات جذرية. ومن هنا، فإن على الحكومة ووزارة التشغيل أن تأخذ على عاتقها مسؤولية تنفيذ هذه الإصلاحات، وأن تعمل بشكل جدي على وضع حد للتهاون الذي يعاني منه المواطنون في تعاملهم مع الإدارات العمومية. فالمستقبل يتطلب منا إدارة متطورة، متفانية في خدمة الصالح العام، وإلا فإننا سنظل ندور في حلقة مفرغة من الإهمال واللامبالاة.
يبقى الأمل معقودًا على وعي الجميع بأهمية هذا التغيير. إن الموظف الذي يدرك أن أجره يتناسب مع عمله سيجد نفسه مجبرًا على تقديم أفضل ما لديه، وهذا بالضبط ما نحتاجه اليوم. إدارة عمومية قوية، تضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار، وتعمل بجد على بناء مستقبل أفضل للجميع.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة