كشفت بيانات رسمية صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء الإسباني (INE) أن نحو 13.900 مغربي غادروا التراب الإسباني خلال الثلاثة أشهر الأولى من عام 2025، ليحتلوا بذلك المرتبة الأولى بين الجنسيات المغادرة، متفوقين على الكولومبيين (13.500)، بل وحتى على الإسبان أنفسهم (10.300)، معظمهم من المغاربة المجنسين.
ورغم أن المغرب لا يزال يحتل مرتبة متقدمة ضمن الدول المصدّرة للهجرة نحو إسبانيا، حيث استقبلت البلاد 25.900 مهاجر مغربي جديد في الفترة ذاتها، فإن ارتفاع عدد المغادرين يعكس تدهورًا متزايدًا في ظروف العيش والاستقرار بالنسبة لشريحة من الجالية المغربية.
هذا التحول يأتي في سياق مشحون بالتوتر، خاصة بعد الحادث المؤلم الذي شهدته مدينة توري باتشيكو في إقليم مورسيا، المعروفة باعتمادها الكبير على العمالة الزراعية والمغاربة بشكل خاص. فقد أدى انتشار فيديو يُظهر اعتداء شبان مغاربة على مسنّ إسباني إلى موجة غضب شعبية، سرعان ما تحولت إلى أعمال عنف شملت إحراق سيارات وتخريب ممتلكات، وسط شعارات معادية تطالب بطرد المغاربة.
وسارعت تيارات اليمين المتطرف إلى استغلال الحادث لتأجيج خطاب الكراهية ضد الجالية المغربية، ما فاقم من حالة الاحتقان، ودفع السلطات المركزية إلى التحذير مما وصفته بـ”الخطر المزدوج”: تصاعد الجريمة من جهة، وتنامي خطاب الكراهية من جهة أخرى.
بدورها، نبهت وسائل إعلام محلية إلى أن تنامي العنصرية، وارتفاع تكاليف المعيشة، وصعوبة الاندماج، عوامل باتت تدفع العديد من المغاربة إلى التفكير في مغادرة إسبانيا، خاصة في ظل ظروف اجتماعية ونفسية متدهورة.
ورغم أن إقليم مورسيا يُعد من أبرز وجهات العمالة المغربية، إلا أن هشاشة التعايش بين السكان المحليين والمهاجرين باتت تهدد بتكرار مثل هذه الأزمات، مما يستدعي مقاربة شاملة تعالج الجذور الاجتماعية والاقتصادية للتوتر.
وعلى الصعيد الديموغرافي، شهدت إسبانيا خلال نفس الفترة ارتفاعًا في عدد السكان قدره 75.865 نسمة، ليبلغ مجموع السكان حوالي 49.153.849 نسمة في فاتح أبريل 2025، وهو الرقم الأعلى في تاريخ البلاد. لكن هذا النمو السكاني لم يكن نتيجة زيادة في المواليد، بل يعود أساسًا إلى تدفق المهاجرين، حيث ارتفع عدد الأجانب المقيمين بـ95.363 شخصًا، مقابل انخفاض بـ42.165 شخصًا من مواليد إسبانيا، وتراجع في عدد المواطنين الإسبان بـ19.498.
هذه المعطيات تطرح تحديات حقيقية أمام المجتمع الإسباني، في مقدمتها قضايا الاندماج، ومكافحة العنصرية، وضمان التوازن الديموغرافي والاجتماعي في وجه التحولات المتسارعة.