ذ.أحمد العهدي
الفقيد الغالي المشمول بعفو الله المسمى قيد حياته جمال لغليضة كان طيلة مساره المهني الاستاذ القدوة و صوتا شعريا جميلا ، لم يزاحم شكسپير و لا موليير في مساحة فضاء إبداعه الشعري المتنبي ..
الراحل الاستاذ و الشاعر جمال لغليضة كان في كل شذراته و أعماله ، كان يطرز كلماته الخاصة المنحازة إلى الذات الشعرية القائمة على الشعري والجمالي ولا شيء سواه..
عرفت الراحل جمال لغليضة إنسانا أنموذجا حيا و مثاليا في دماثة الخلق ، و مدرسا جادا و مثابرا بام المدارس ، مدرسة 14 غشت ، التي درس بها في الموسم التربوي 1993/1994، قادما من مجموعة مدارس العركوب ، بجماعة العرگوب ، حيث ٱشتغل بتاريخ 16 /09/ 1992..
لقد ٱكتشفت فيض طيبوبته الاستثنائية ، التي هي بحر لا ساحل له حين استضفته بالمكتب ، و كنت وقتها نائبا للتعليم بوادي الذهب ، طالبا منه بروح اخوية تحترم التاريخ النظيف الشامخ للمرحوم ، سد خصاص تدريس مادة اللغة الانجليزية بثانوية الفتح التأهيلية ، حيث ٱستجاب دون تردد ، بل غادر مكتبي و الابتسامة لا تغادر جغرافية ملامح وجهه التي لن تجد عناء في الحكم على طيبة قلبه و ضياء صفاء روحه ونبل خلقه العظيم منها .. و بها بقي مدرسا الى ان وافته المنية ، بعد صراع مرير مع مرض عضال لم ينفع معه علاج ، هو الذي كان يمضغ آلام مرض قلبه و يابى ان يقدم الشهادة الطبية إلا عندما تكون وضعيته الصحية جد حرجة .. حقا و صدقا كان مثالا يحتدى في الصبر الجميل و التعامل بلياقة و أناقة و لباقة ، و ٱعتبره زملاءه في العمل و كل من عاشروه عملة إنسانية نادرة بكل المقاييس..
الاستاذ و الشاعر الراحل جمال لغليضة ، كانت تربطني به علاقة إنسانية و إبداعية خاصة ، و كان يعجبني فيه كونه قارئا نهما ذكيا لعيون الشعر العربي والغربي ، و هو يمتلك طاقة و قدرة خلاقة بها يعرف كيف يحول ما أعجبه او يثيره إلى ياقوت ويحسن تطريزه و تدبيجه بٱنتقاء الكلمات كما ينتقى الدر من بين الاحجار !
لقد كان ، رحمة الله عليه ، الشاعر المسكون بعشق الحرف ، الحرف صانع الكلمة ، التي يبث فيها مشروع جماله الشعري الناطق بوهج الابداع وعواطفه الصادقة الجياشة التي تتقطر حسا إنسانيا رقيقا و راقيا ، فتترك كتابته الشعرية المتميزة ، في نفس المتلقي ، اثرا جماليا لا يقاوم ..كذلك كان في حلمه الصوفي و هو يلج عوالم الانخطاف الذي يستعيره من إعلان عن حضور الطبيعة كمكون من مكونات شعريته السامقة . فبعد مسحة المشاعر الفياضة والالتحام بالمقدس تأتي الطبيعة الفاتنة لتنضاف إلى عوالمه الشعرية ويأتي الوقت بما له من دلالات صوفية عميقة ودلالات فلسفية أعمق ليثبت أن الشاعر جمال شاعر فكر عميق وليس شاعر انفعال آني فقط !
لقد ابدع سلوكا و نظما و طوى صفحة إنسان بهي مجيد ليستقيل من حياتنا ويتركنا للذكرى لكنه ترك لنا إرثه الإنساني و التربوي و الشعري الخالد ، في سجل يكرس عالمه الجمالي وأفقه الشعري المتفرد الذي يجعله بحق أيقونة شعرية و شاعرة. فلنا قصائده الجميلة ، نغمات لا تنتهي ، وله خلود إبداعه الذي سيمنحه إلى الأبد ..
رحمة الله على روحه الطاهرة ؛ عاش طيبا و وفيا لمبادئه الفاضلة الرفيعة ، وتوفي وفيا لتللك المبادئ النبيلة الشامخة.. لروحه الطيبة كل السلام .
فاللهم ، باسم أسرة التربية و التكوين لجهة الداخلة وادي الذهب ، و كل محبيه ، برد تربته ، و نور مرقده ، و عطر مشهده ، و طيب مضجعه ، و آنس وحشته ، و ٱعتق رقبته من النار يا عزيز يا غفار..
إنا لله و إنا إليه راجعون.