حين يختار قياديو حزب الاستقلال عنوان اللقاء التواصلي في السمارة: “الأقاليم الجنوبية للمملكة: دينامية تنموية متواصلة”، يبدو في الظاهر حديثاً عن المشاريع والاستثمارات، عن الطرق والموانئ والتعليم والصحة، عن الانعاش الاقتصادي الذي يعيشه جنوب المملكة. لكن من زاوية الحزب الداخلي، يصبح العنوان قراءة سياسية لا تقل عمقاً عن أي تحليل استراتيجي: هو إعلان عن من يتحكم بمقاليد النفوذ، ومن يفرض رؤيته في المشهد التنظيمي للحزب.
الحضور المكثف لقيادات حزب الاستقلال في العيون – من نزار بركة إلى مولاي حمدي ولد الرشيد والمفتش الإقليمي – ليس مجرد إجراء بروتوكولي، بل رسالة مزدوجة: للقاعدة الحزبية، مفادها أن العيون تمثل العمود الفقري التنظيمي للحزب في الصحراء، وللدولة، مفادها أن الاستقلالي منخرط بشكل كامل في الدينامية التنموية للأقاليم الجنوبية. لكن السؤال المحوري يبقى: هل سيشهد اللقاء حضوراً فعلياً لنواب جهة الداخلة، أم أن الغياب أو التمثيل الرمزي سيكون ترجمة حقيقية للشروخ التنظيمية الداخلية؟
الداخلة، التي شهدت مشاريع تنموية كبرى وأصبحت قطباً حقيقياً للفرص الاقتصادية والاستثمارية، تطرح سؤالاً محورياً: من سيتحدث عنها ويبرز إن مورست سياسة “الكرسي الفارغ” في هذا اللقاء التواصلي؟ الغياب أو الحضور الرمزي لنوابها لن يكون مجرد قضية تنظيمية، بل مؤشر على أن الدينامية التنموية قد تتحول إلى دينامية إقصاء سياسي، وأن المشاريع الكبرى ستصبح خطاباً جميلاً بلا صاحب فعلي على الأرض.
في هذا المعنى، يمكن قراءة اللقاء في السمارة كمرآة مزدوجة: الوجه الأول خارجي، خطاب عن التنمية المستمرة، شراكة مع الدولة، التزام بمشاريع عميقة البعد الاستراتيجي. الوجه الثاني داخلي، وهو الأهم، يكشف عن صراع القوة، عن الصراعات الرمزية، عن محاولة فصل النفوذ بين العيون والداخلة، وعن اختبار قدرة الحزب على الاستمرار كوحدة متماسكة في وجه الديناميات الداخلية التي باتت تهدد كل اتفاقيات التنظيم الموحدة.
وفي النهاية، اللقاء في السمارة، مهما بدا تقليدياً على الورق، هو اختبار شامل لموازين القوة داخل حزب الاستقلال في الأقاليم الجنوبية. هو ليس مجرد حديث عن مشاريع الطرق والموانئ والتعليم والصحة، بل قراءة دقيقة للصراعات الرمزية بين قطبي العيون والداخلة، ولقدرة الحزب على دمج التنمية التنظيمية مع التنمية الميدانية. حضور نواب جهة الداخلة أو غيابهم، مهما كان السبب، سيعكس مدى نجاح القيادة المركزية في ربط الرؤية التنموية بالتمثيل السياسي العادل، ومدى قدرة الحزب على تحويل الأقاليم الجنوبية من مجرد حاضنة للمشاريع إلى حاضنة للوحدة التنظيمية. بهذا المعنى، اللقاء لا يُقاس بعدد الحاضرين أو حجم الكلمات، بل بمقدار ما ستحمله نتائجه من إشارات حول قدرة الحزب على المحافظة على تماسكه الداخلي، وعلى توجيه دينامية التنمية بطريقة شاملة، متوازنة، ومستدامة، تعكس ليس فقط السياسة ولكن العمق الرمزي والوجود الفعلي للقطبين التنظيميين في المشهد الصحرواي.