رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين.. حين يسبق النقاش زمنه

هيئة التحريرمنذ 3 ساعاتآخر تحديث :
رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين.. حين يسبق النقاش زمنه

بينما انشغل الفاعلون السياسيون في المغرب خلال الأسابيع الأخيرة بالمذكرات التي رفعتها الأحزاب إلى وزارة الداخلية بخصوص القوانين المؤطرة للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، فضّلت رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين أن تختط طريقاً آخر. فقد كشفت عن تصورها لمشروع قانون المالية لسنة 2026 في مذكرة مطوّلة، تضمنّت حزمة واسعة من التوصيات الرامية إلى صياغة ميزانية “طموحة ومسؤولة اجتماعياً”، كما جاء في ديباجتها.

المذكرة طرحت نفسها وكأنها ورقة برنامج حكومي مصغّر: تعزيز الدولة الاجتماعية، دعم الاستثمار الخاص، حماية الأمن الغذائي والصحي والمالي، كبح المضاربة التي يتحكم بها الوسطاء، خفض أسعار اللحوم والحليب، ثم إجراءات عملية لدعم الأسر عبر تخفيضات ضريبية وتشجيع الادخار. ولم يتوقف الأمر عند حدود الاقتصاد، بل امتد إلى قضايا مجتمعية كتشجيع التمدرس في العالم القروي من خلال بناء داخليات وتوفير النقل المدرسي، بل وحتى قضايا بيئية مثل حملات وطنية للتشجير ومكافحة التلوث البلاستيكي.

هذا الطموح، وإن بدا للبعض مؤشراً إيجابياً على حيوية النقاش العمومي، فإنه أثار تحفظات ملحوظة داخل الأغلبية الحكومية. فقياديون من حزبي الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار سارعوا إلى وصف الخطوة بغير الموفّقة، معتبرين أنها تسبق الزمن الدستوري الذي ينص على مرور أي توجه مالي عبر المجلس الوزاري أولاً، قبل أن ينفتح النقاش على البرلمان.

من هنا يطرح السؤال: هل نحن أمام مبادرة فكرية لتغذية النقاش العمومي بجرعات اقتصادية واجتماعية، أم أننا بصدد مناورة سياسية يبتغي أصحابها تسجيل نقاط إضافية على حساب شركاء في تحالف حكومي هش بطبيعته؟

في قراءة أولى، قد تبدو المذكرة تمريناً طبيعياً من رابطة أكاديمية تضم أطر الاقتصاد والمالية من داخل الحزب وخارجه، وبالتالي من حقها أن تقترح ما تراه مناسباً. لكن في قراءة ثانية، لا يمكن إغفال أن الظرفية السياسية تجعل من أي مبادرة خارج الإيقاع الحكومي الرسمي موضوعاً للتأويل، وربما للريبة. فالتوقيت في السياسة ليس تفصيلاً عابراً، بل هو جزء من الرسالة نفسها.

الواقع أن المغرب يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية متراكمة، من تقلبات أسعار الغذاء والطاقة، إلى الحاجة لتعزيز العدالة الاجتماعية وتوسيع الطبقة الوسطى. وهذه قضايا تستدعي فعلاً جرأة في الطرح وابتكاراً في الحلول. غير أن الجرأة شيء، واستباق المساطر المؤسساتية شيء آخر. بين الرغبتين خيط رفيع، وأي خطأ في التقدير قد يُترجم إلى توتر داخل تحالف حكومي لم يتوقف منذ نشأته عن اختبار تماسكه أمام مبادرات متفرقة هنا وهناك.

المثير أن هذه المذكرة تكشف أيضاً عن مفارقة أكبر: كيف يمكن التوفيق بين دور الأحزاب كحاضنة لأفكار جديدة وبين واجبها في الحفاظ على الانسجام داخل تحالف حكومي؟ وهل يحق لحزب أن يمارس “معارضة من الداخل” عبر أذرعه الفكرية والاقتصادية، أم أن ذلك يقوّض الثقة ويغذي الشكوك المتبادلة؟

الأسئلة تبقى مفتوحة، لكن المؤكد أن خطوة رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين وضعت الجميع أمام مرآة صافية: حكومة تحتاج إلى انسجام أكبر، وأحزاب تسعى إلى إثبات حضورها خارج قوالب التحالف الصارمة، ورأي عام يبحث عن بدائل حقيقية لا عن سجالات شكلية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة